العراق.. معارضة للابتزاز

العراق.. معارضة للابتزاز

06 يوليو 2019
+ الخط -
عُرفت المعارضة السياسية في معظم الدول الديمقراطية على أنها خيار وطني تنتهجه مجموعة أو أفراد داخل قبة البرلمان لمراقبة عمل المؤسسات الحكومية. لتكون صوت من لا صوت لهم في تلك المؤسسات، وغالبا ما تتحلى بالفطنة واليقظة في معارضتها للحكومات. ولكن الأمر في العراق مختلف عن هذه المبادئ والقيم، حيث تصّر القوى السياسية على أن تتحف العراقيين وبشكل غير مسبوق في أي دولة، بقلب هذه المفاهيم إلى ابتزاز جهوي واستخفاف بالمواطن.
ومثال ذلك، تيار الحكمة، بزعامة عمار الحكيم الذي أعلن أخيرا انتقاله إلى المعارضة في البرلمان، لكنه في الوقت ذاته ما زال يفاوض للحصول على حصته من الدرجات والمناصب الخاصة في الحكومة كوكلاء الوزراء، والمديرين العامّين والمستشارين والسفراء، وهذه الدرجات محلّ خلاف وتنافس بين مختلف القوى السياسية.
هذا ما كشف عنه القيادي في التيار، حميد المعلة، قائلا: "إن قياديين بالتيار يتفاوضون مع القوى الأخرى بشأن الدرجات الخاصة، وإنهم سيدافعون بشراسة عن حصتهم من هذه الدرجات"، وتوقع المعلة أن تنضم كتل أخرى إلى المعارضة، في حال لم تحصل على حصتها من المناصب.
عملياً، يبدو إعلان عمار الحكيم انتقال تياره للمعارضة، وهو جزء من منظومة الحكم في العراق، وأحد الذين أسسوا لمفاهيم الحالة العراقية القائمة الشاذة، أنه يتمحور في اتجاهين، الأول استباق للتظاهرات الكبيرة المتوقعة في المحافظات الجنوبية على خلفية تراجع الخدمات الحكومية، وبذلك يحاول الحكيم إظهار نفسه خارج إطار المنظومة الحاكمة التي تواجه انتقادات واسعة على الصعيدين، الشعبي والسياسي. ويأتي الاتجاه الثاني في إطار صراع النفوذ على السلطة بين أطراف الحكم، وتحديداً أحزاب الإسلام السياسي (الشيعي)، مع تلكؤ الحكومة في أداء واجباتها، ولذلك يحاول الحكيم استغلال هذا الوضع من أجل استمالة الشارع العراقي الناقم، لما يمتلكه من قدرة على الخطابة واللعب على وتر "الوطنية" في ظل تردي الأوضاع الخدمية والإنسانية.
هذه الشعارات ذات الطابع "الإصلاحي" التي ينادي بها عرّابو المعارضة، مستغلين ضعف أداء الحكومة وعدم اكتمال كابينتها الوزارية، تبين أنها محاولة لتعويض خساراتهم على الصعيدين السياسي والشعبي. ويبدو هذا واضحاً من خلال ما توقعه القيادي في تيار الحكمة، حميد المعلة، بانضمام كتل أخرى إلى المعارضة، في حال لم تحصل على حصتها من المناصب.
ولذلك بدأ تيار الحكيم العمل على إعادة تحالفاته السياسية وتمتينها مع "النصر" بزعامة حيدر العبادي، و"الوطنية" بزعامة إياد علّاوي، و"القرار" بقيادة أسامة النجيفي، إلى جانب الأكراد، ولدى كل هؤلاء خلافات مع حكومة بغداد، للعمل على رصد "أخطاء الحكومة، وبالتالي يأمل أن يكون له (تيار الحكمة) تأثير في الحراك المرتقب في اللحظة السياسية المناسبة، ما يعني ابتزازا مع سبق الإصرار والترصد.
هذا النهج دأب عليه ساسة العراق منذ الاحتلال عام 2003، نوعا من أنواع المعارضة (إذا أخذ سكت وإذا حُرم نطق). وبالنتيجة، يريد الحكيم ساقا داخل الحكومة وأخرى خارجها، موهما الناس بأنه معارضة، والحقيقة أنه شريك غير معلن.
ليس مستغربا على سياسيين تعاونوا على احتلال البلاد، وامتهنوا سرقته، واستخفوا بالعباد، أن يفعلوا ذلك كله، ولكن المستغرب استكانة شعب تاريخه ضارب في القِدَم، إلى درجة أن يعيد انتخابهم ثلاث مرات، ويخرج بتظاهرات للمطالبة بالخدمات دون سواها من الكبائر التي تعصف بالبلاد.
B87A50A6-EB76-4C1C-BAEE-0DF0554A6A9A
B87A50A6-EB76-4C1C-BAEE-0DF0554A6A9A
عامر السامرائي (العراق)
عامر السامرائي (العراق)