استبداد ذكوري

استبداد ذكوري

06 يوليو 2019
+ الخط -
ذكرتني صفحتي في موقع التواصل الاجتماعي، فيسبوك، بمنشور يعود تاريخه إلى شهر يوليو/ تموز قبل عامين، كتبت فيه: "استبداد الأنظمة العربية أثّر على العقلية الذكورية، فمهما ناضل الرجل وناهض وعارض الاستبداد، فإنّه يبقى محاطا بخيوط من الاستبداد تحكم تصرفاته في الحياة وتوجهه". كتبت ذلك المنشور في ذلك الوقت تفاعلا مع قصة أخت شاركت معها في لحظات نضالية في الجامعة، كانت مناضلة غيورة على الوطن والبلد وحرمة الجامعة وحرية الطالب، فشاركت في المسيرات ورفعت الشعارات وظهرت في الإعلام لتكون فريسة جشع الرجل المستبد؛ الراغب في الخروج من عالم العزوبة والظفر بشابة بذلت الكثير، لتكون شخصيتها على ذلك الحال، وفي ذلك المستوى.
استجمع الرجل الذي فاق الثلاثين عاما من عمره، قواه، مستغلا وضع مجتمع يعاني الفقر والبطالة، ويعاني أزمة التأخر في الزواج ليتقدم بخاتم حديدي يطلب به يد الشابة المناضلة المثقفة وهي في العشرين من عمرها. لقد انحنى بلحيته الطويلة وجسمة الضخم أمام بهاء الفتاة رغم رقتها ووسامتها كما تفعل الأنظمة العربية أمام كيان لا يساوي أصغر مدينة عربية أرضا وإنسانا. انحنى في ذل وهوان لا يريد سوى الزواج، ولم تكن له شروط في الزواج بها إلا الزواج بها.
قبلت المسكينة الدخول إلى عالم الأسرة مضطرة، فالمجتمع العربي المريض يراقبها من هنا، وهي تبلغ العشرين بلا رجل، وصديقاتها من هناك يرحلن صيفا بعد صيف، ومعهن شهادة الجامعة وخاتم خطيب، وربما أجنة في أرحامهن. انعقد حفل الخطبة، واجتمع الأهل، وعادت لاستكمال عامها الأخير في الجامعة قبل العطلة الصيفية، حيث ستدخل إلى بيت الزوج من دون جواز سفر. عادت إلى ساحة النضال، وأنا أغار من الخاتم في يسراها، لا لشيء، إلا لأني فقدت جنديا قويا، وربما تعادل عشرات الطلاب في ساحة الجامعة ومعارك النضال.
مرت الأيام وبدأت الأخت العزيزة تبحث عمن يشفق عليها مما هي فيه. أخبرتني أن خطيبها تغير عن حاله، وهاجرت رحمته الأولى وعادت إلى أهلها لتبقى مرارة الاستبداد تحيط به من كل مكان، توجه تصوراته وحركاته، وتنقط حروفه وتشكل كلماته، رفضت بسبب ذلك مواصلة النضال والظهور في الجامعة ثم صارت مواقع التواصل الاجتماعي والهاتف الذكي من المحرمات الحديثة في دين زوجها، بل صارت لفظة الطلاق والفسخ من المصطلحات الطاغية على معجمه، بعدما كشر عن أنيابه وطغى.
ها قد حل الاستبداد بالرجل، بعدما طلبها في ذل وهوان. وصارت الأسباب التي أشهرتها عللا لتركها والتخلص منها. ما الذي تغير أيها الرجل؟ من تكون بالنسبة لك تلك الفتاة التي تربت وصابرت؟ لماذا اخترتها في البداية وهي حرة لتدخلها جحيمك وتفرض عليها جورك وظلمك؟ هذه قصة حزينة، لكن الفتاة التي عارضت الاستبداد العالمي والعربي ستنجح بكل بساطة في الثورة على الاستبداد الذكوري.
مصطفى العادل
مصطفى العادل
مصطفى العادل
باحث في اللسانيات العامة بكلية الآداب، جامعة محمد الأول-المغرب. باحث بمركز ابن غازي للأبحاث والدراسات الاستراتيجية. الأمين العام للمركز العربي للبحوث والدراسات المعاصرة. رئيس قسم الأدب واللسانيات البينية بمركز مفاد.صدر له كتاب "المدارس اللسانية وأثرها في الدرس اللساني بالمغرب". يعرّف عن نفسه بالقول "كل لحظة تأتيك فكرة، يلهمك الله نورا لتعبر به عن معنى، فكن دوما مستعدا بسيف القلم كي لا تهزم في معركة الإبداع".
مصطفى العادل