هذه الوعكة السياسية العابرة في تونس

هذه الوعكة السياسية العابرة في تونس

05 يوليو 2019
+ الخط -
كان يوم الخميس، 27 يونيو/حزيران الماضي، صادما للشارع التونسي، تقاطعت فيه أحداث مروّعة، واكبها سوء تعامل رسمي، وتورط جهات إعلامية في المبالغة والتشويه والتحريض، فحصول ثلاث عمليات إرهابية متوازية، فشلت في تحقيق أهدافها مع إعلان خبر الحالة الصحية الحرجة التي مرّ بها رئيس الجمهورية، أثار ردود أفعال واسعة، وتخمينات وشكوكا هيمنت طوال اليوم على مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام المختلفة. كان تعامل طاقم رئاسة الجمهورية مع خبر الحالة الصحية للرئيس غير موفق بالمرة، سواء في طريقة إعلان الخبر للرأي العام، أو في طريقة متابعة المعالجة الصحية التي خضع لها في المستشفى العسكري في العاصمة، فقد كان الخبر المفاجئ الذي نشره الموقع الرسمي للرئاسة غامضا مقتضبا، يثير من الشكوك أكثر مما يقدم التفاصيل، أو يمنح الناس فرصة فهم الحالة العامة لرئيس الجمهورية.
من ناحية أخرى، سارعت وجوه معروفة اجتماعيا وسياسيا إلى ترويج خبر وفاة الرئيس، وتأكيده بشكلٍ يعكس كثيرا من الخفة وانعدام المسؤولية، الأمر الذي أثار اضطرابا لدى الرأي العام الذي ربط بين الوعكة الصحية للرئيس وتزامنه مع التفجيرات الإرهابية، ليصبح التفسير التآمري للأحداث سيدا للموقف. وما زاد الأمر تعقيدا هو ما سارعت إليه قناة العربية، وبشكلٍ يفتقر إلى المهنية والموضوعية، إذ أعلنت وفاة الرئيس على لسان مراسلتها في تونس، مؤكدة على حصولها على تصريح حصري ومؤكد من مصدر مسؤول.
كانت الوعكة الصحية للرئيس هي الأكثر تأثيرا وإثارة للجدل من الأحداث الإرهابية ذاتها التي
تعامل معها التونسيون برصانةٍ كثيرة، وأبدوا لحمة وطنية قلّ نظيرها. ربما كان سبب الأهمية التي نالتها شائعة وفاة الرئيس هو ما أثارته من جدل دستوري بشأن آليات انتقال السلطة، وسبل الحفاظ على مؤسسات الدولة، لتواصل عملها في كنف الاستمرارية. وكان طرح موضوع غياب المحكمة الدستورية التي لم يتم التوافق بشأنها موضوعا ملحّا، وخصوصا أن الفصول القانونية المنظمة لانتقال السلطة في حالات الشغور تفترض وجود هذه المؤسسة. وفي كل الأحوال، تعرّضت تونس إلى أزمات دستورية وسياسية أشد في سنواتٍ ماضية، خصوصا إثر الثورة، وفرار الرئيس بن علي سنة 2011، أو حالة الصراع السياسي الحاد إثر الاغتيالات السياسية والتوصل إلى حكومة توافق وطني سنة 2013، بما يعني أن الهزّات السياسية واردة ومحتملة في كل الدول، غير أن ما يصنع الفرق هو أسلوب التعامل معها، سواء من خلال تفعيل الآليات الدستورية، أو من خلال إيجاد صيغ للتوافق الوطني، تسمح بتجاوز الأزمات والمرور إلى السير العادي لأجهزة الدولة.
كان واضحا أن الجهات المعادية للمسار الديمقراطي التونسي تحاول الاستثمار في الأزمات السياسية التي تعرفها البلاد، عبر أدوات التشويه والتحريض والدعاية السوداء. ومن اللافت أن القوى السياسية والمواقع الإعلامية، وفي مقدمتها قناة العربية، ومن تابعها، كانت في صدارة من تعامل مع الأحداث بكثير من سوء النية، فمن إذاعة خبر وفاة الرئيس إلى المبالغة في حجم العمليات الإرهابية، وصولا إلى ترويج فكرة تأجيل الانتخابات، وهي دعايات قابلها رأي عام تونسي، استطاع بذكاء أن يقلب المعادلة من فكرة الأزمة الشاملة إلى الفخر بالمنجز التونسي، من خلال التأكيد على جملة من العناوين الكبرى، أولها أن الرئيس التونسي، ومهما كان حجم الخلاف السياسي معه، يظل شرعيا منتخبا، لم يصل إلى قصر قرطاج على ظهر دبابة، أو من خلال مؤامرة خارجية. ونذكر في هذا السياق ما نشره الرئيس السابق، المنصف المرزوقي، الذي تمنّى للرئيس الحالي الشفاء، ونشر صورة مشتركة تجمع بينهما. ثانيا كانت مواقع التواصل التونسية تضج بالحديث عن مرض الرئيس، والأهم أنه يتلقى العلاج في مستشفى تونسي، وعلى يد كفاءات وطنية، وهو أمر له معان مهمة لدى الرأي العام، في ظل ما اعتاد الناس عليه أن الحاكم العربي لا يثق في مستشفيات بلاده.
إجمالا، وعكة الرئيس الصحية، والأحداث التي رافقتها، أثبتت بوضوح صلابة الوضع العام في تونس. وعلى الرغم من حالة الجدل السياسي والصراع الحزبي. ومهما كانت مآلات الوضعية الصحية لرئيس الجمهورية، فإن الانتقال الديمقراطي يثبت تدريجيا أنه في طريقه إلى الاستقرار الذي يقوم على المؤسسات، ويتجاوز مقولة التماهي بين الحاكم العربي والنظام السياسي، وهذا بحد ذاته إنجاز بالغ الأهمية.
B4DD7175-6D7F-4D5A-BE47-7FF4A1811063
سمير حمدي

كاتب وباحث تونسي في الفكر السياسي، حاصل على الأستاذية في الفلسفة والعلوم الإنسانية من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس ـ تونس، نشرت مقالات ودراسات في عدة صحف ومجلات. وله كتب قيد النشر.