كرة القدم لا تجرّ مركباً

كرة القدم لا تجرّ مركباً

04 يوليو 2019
+ الخط -
في أحلام المساكين، تتعثر الخطط. وفي البلدان القوية، الفن متعة، وكرة القدم متعة. وفي البلدان قليلة الحظ، يكون محمد أبو تريكة منجما لاستقواء النظام على الناس، كي يثبت لنفسه في الليل أنه سيطر على البنوك وأرغفة الدعم، وحتى على أرصدة أبو تريكه وتربية الجمبري وأكياس الدم، وحتى على حوارات عمرو وردة مع البنات ليلا.
المساكين والطيبون يحبون أبو تريكة، لأنه أسعدهم بهدف، ومحمود الخطيب لأنه أسعدهم بلمحة كروية قديمة، طارت لها قلوبهم أيام كانت تطير القلوب في المدرجات بلا مخبرين، ولا كاميرات، ولا طائرات تصورهم، فلماذا لا تأتي السلطة فوق نجيل الملاعب بمرتضى منصور، كي يشتم أبو تريكة والخطيب ليل نهار. وعضو تائب من الإخوان المسلمين، يعمل لحساب الأمن، يقول، بكل ثقة ويقين، إن أبو تريكة صناعة هوليودية. .. كيف تمكنت "هوليود" ليلا أن تخترق أحراج بولاق الدكرور وناهيا والمعتمدية غربا، وتجنّد صبيا صغيرا يعمل مع والده في صناعة الطوب؟ ذلك كله كي يصمت المساكين والطيبون، ولا يحلفوا إلا بحياة الملك فقط.
تأميم فرح اللعبة لصالح الملك، كي يكون هو ضيف المحبة السمج في صدور الطيبين والمساكين بديلا عن أبو تريكة، وعمرو وردة يصير غير طاهر، وصاحب ذنب، كي لا تهلل الجماهير إلا باسمه بعدما بردت "تسلم الأيادي" وتعفّنت، وأظهر الإناء ما فيه ونضح، وانصرف الناس عن مؤتمراتٍ لا يتم فيها إلا جلدهم على زيادة أوزانهم، أو تهديدهم برفع الدعم والجوع أيضا.. "نجوع؟ وإيه يعني ما نجوع؟"، فطالما الملك ترك ثلاجته خاليةً من الجوافة، ولم يدخلها إلا الماء سنوات أكثر من عجاف، فلماذا لا نجوع، ونتحمل عن طيب خاطر؟
كل هذه المراودات والتهديدات جرّبها الشعب وذاقها خلال سنوات، وكل عائدات الجوع والقروض التي تم تكبيل مستقبله بها، تم شراء طائرات رافال وزنانة بها، لا تناور ولا تحارب، ولا حتى تراقب الإرهابيين في سيناء، بعد مسلسل القتل اليومي الذي صار معتادا، بل فقط تذهب الطائرات لتصوير الجماهير في المدرجات. والغريب أن الجماهير التي حاولوا تخويفها، وأغلبهم من أولاد المستورين، تهتف في كل مباراة لأبو تريكة، الطيب ابن عامل البناء، وتشتم مرتضى منصور المستشار، بعدما باض ذهبا وفضةً في حجر السلطة خلال سنوات ست، فهل تعلمت السلطة شيئا عن هذا الشعب الطيب الذي تحكمه بالحديد والنار، من دون أن تعرفه، ومن دون حتى أن تريد معرفته؟ ذلك الشعب الذي هضم كل سحرة العالم، بمن فيهم سحرة فرعون، وخرج من كل غباء الطغاة بالنكت والألاعيب والسخريات.
كرة القدم لعبة لا تتحمل غباء الساسة، ولا غشم الحكّام الذين يبحثون عن "اللقطة"، لفشلهم في "لقطات" إنجازاتهم. صحيح عندنا كرة، وعندنا ملاعب، ولكنها لعبة مرهونة لدى السلطة، الملعب مؤمّم ومحاط بالجيش، فلا هو ملعبٌ ولا هو سجن، واللاعب مجرد رهينة لدى النظام (وأحيانا يكون والد اللاعب وأمه) كرهينة، كما أشيع عن محمد صلاح الذي تمت معاتبته على أنه تصوّر مع أبو تريكة، وإلا، يؤدي الخدمة العسكرية. حتى المذيع لا يثني على هدف، إلا وأردف الثناء بحنكة النظام ومستقبله، والأيام الجميلة الآتية في ظل الإنجازات التي لا تُحصى، والنظام وكأنه يفكر، هل يبني مثلا قفصا زجاجيا فوق كل ملعب، كالذي بناه للمرحوم محمد مرسي، كي لا نسمع التهليلات لأبو تريكة. تلك هي مهمة النظام في السنوات المقبلة، وقد يستشير المهندس العالمي هاني عازر في ذلك الأمر، ولا مانع أيضا من استخدام الفلوس المصادَرة التي تخص أبو تريكة نفسه في بناء هذا القفص الزجاجي، كما تم مع أموال "الإخوان المسلمين". ولكن في مثل هذه الحالة لابد من أخذ رأي المحكمة الرياضية العليا، بعد أن تخلص إلى نتيجة مؤكّدة إن كان تحرُّش عمرو وردة حرية شخصية، أم أمرا يمسّ قدسية الدولة.