عبد الفتاح مورو أم وجدي غنيم؟

عبد الفتاح مورو أم وجدي غنيم؟

29 يوليو 2019

مورو وراء نعش السبسي (صفحته في "فيسبوك")

+ الخط -
السؤال في العنوان أعلاه غير لائق. لا يجوز طرحه بصيغته هذه، لأن التخيير فيه بين اسمي الرجلين، التونسي الجليل، عبد الفتاح مورو (1948)، والمصري الركيك، وجدي غنيم (1951)، ينطوي على أفضلية واحدٍ منهما على الآخر، فيما قال النّحاة، كوفيون وبصْريون، إن التفضيل لا يكون إلا بين النوع نفسه، فلا يجوز القول إن العسلَ أحلى من الخلِّ. وفيما نائب رئيس مجلس النواب التونسي، الشيخ الفائض الاستنارة، العذب الحضور، مورو، داعيةٌ شجاعٌ إلى وفاق الناس، يتوسّل السياسة من أجل نفع الأمة، يبتعد عن كل ما يبعث على الشقاق، يعتنق الحوار ويؤمن بضرورة التعدّدية لإغناء خيارات الشعوب العربية التي لا يتسامح مع أي انتقاصٍ لأشواقها للحرية، فيما هذا هو مورو، أو بعضٌ منه، فإن غنيم إذا نطق لا يقول إلا كلاما فيه تفريقٌ بين الناس، وتمييزهم بين مسلمين وكفار، وكأنه منذورٌ لمهمةٍ كهذه. ينسب لنفسه معرفةً بالإسلام ولنفع الأمة لا يدريها أحدٌ غيره. وجماعة الإخوان المسلمين مطالبةٌ بإيضاح بواعث وجود هذا الرجل تنظيميا فيها، فيما منسوبُ الداعشية فيه يورّطها في مؤاخذاتٍ عليها محقّة، ومساءلاتٍ لها عن مخفيٍّ وظاهرٍ في خطاب ناسها وقياداتها. 
عبد الفتاح مورو المنتسب، مشروعا وأفقا ووجدانا، للحركة الإسلامية في بلده، والذي يتولّى منصبا رفيعا في الدولة، نائبا لرئيس مجلس النواب، ومنصبا حزبيا عاليا، نائبا لرئيس حركة النهضة التي عاد إليها بعد بعادٍ طويل. ساهم نموذجه (ورفاق له طبعا) في صيانة الحالة التونسية، منذ خلْع بن علي في العام 2011، في بناء تمرينٍ ديمقراطيٍّ عربي طموح وواعد ومتقدّم. شيخٌ معمّم، أيا تكن سقوف ليبراليتك وحداثيتك لا بد أنك ستلتقي معه في مشتركاتٍ عريضة. وباحترامه مساحات الاختلاف معك يفرض عليك احترام مرجعياته، إذا توفرت أخلاق الحوار وبديهياته طبعا. أما وجدي غنيم فيفترِض أن شطارته الخطابية، وخبرته في دخول السجون المصرية والخروج منها مرة بعد مرة، وطرده من غير بلد عربي وآسيوي وأوروبي، يفترض أن هذه المهارات تيسّر له حيثيةً معنويةً تبيح له القول بتكفير من تظاهروا ضد الرئيس محمد مرسي، وتجيز له رمي العالم أحمد زويل بالكفر، فضلا عن قبيح الكلام وشططه في غير مسألة، عن صليبية فلان وخروج علان عن الدين، وكذا افتعال المرجلة في التبخيس من رئيس الدولة التي تستضيفه، أردوغان. لا يتّصف هذا الرجل بشيءٍ من أخلاق الإسلام عندما يتجرّأ، أخيرا، على الرئيس التونسي الراحل، الباجي قايد السبسي، بكلامٍ يخرج عن منطق الاختلاف إلى قلة الأدب، من دون أي اعتبارٍ لجلال لحظة الموت الساخنة، ولأحزان التونسيين على رجلٍ أخلص لهم، لمّا انتخبوه، وانبنت بينهم وبينه صلةٌ عاطفيةٌ أكثر منها سياسية ربما.
صدقَ عبد الفتاح مورو لمّا قال مرة إن التونسيين لم يدخلوا الإسلام في العام 2011، حتى يأتي فلانٌ أو علانٌ من خارج بلدهم، تونس الزيتونة والميراث الإسلامي العتيد، ليُفتي في شؤونهم. وأصاب لمّا نصح الشباب التونسي بالخروج من أجواء المحنة، وبأن يحملوا الأمل والبسمة للناس، ليجعلوا حياتهم أفضل، وبث روح التفاؤل بين الناس. وكان بديعا في اعتذاره للشعب التونسي عن استضافة حركة النهضة في العام 2011 وجدي غنيم. وبدا عظيم المناقبية، ومثالا نادرا، ومعلما كبيرا، لمّا سار على قدميه وراء جثمان الرئيس السبسي، فأضاف إلى رصيده أمام التونسيين تنزيلا لمفهوم احترام الاختلاف، وتجسيدا رفيعا لقيمة الوفاء. وأظن أن مشهدا مثل هذا يكاد يكون مستحيلا أن تعرفه عيونُنا في المشرق العربي، المنذور لكل ألوان الخراب جرّاء الاعتصام بالسلطة، وانعدام احترام تداولها وصناديق الاقتراع للوصول إليها.
عنوان هذه المقالة مرفوض، فالمحسومُ الذي لا يجوز النقاش بشأنه أن أمثال وجدي غنيم (هل صحيحٌ أن "فيسبوك" حظر حسابه؟) لا يمكن أن تصلح الأمة إذا راج خطابُهم. والبادي أن ثمّة غير قليلين "تفهموا" كلامه الساقط عن الرئيس التونسي الراحل، وهذا خطير. ولكن نصيحة التفاؤل أدْعى إلى الأخذ بها، وقد ألحّ عليها عبد الفتاح مورو، الشيخ المهذب المحترم، الماشي في جنازة الباجي قايد السبسي.
معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.