المنطقة الآمنة.. أسئلة وهواجس

المنطقة الآمنة.. أسئلة وهواجس

29 يوليو 2019
+ الخط -
كشفت جولة المحادثات الأميركية – التركية، أخيرا، بشأن إقامة منطقة آمنة في شمال شرق سورية، عن جملة عقبات وتعقيدات لها علاقة بدوافع الأطراف المعنية بإقامة هذه المنطقة وأهداف هذه الأطراف. فمنذ بداية طرح الفكرة من الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، قبل نحو سنة، طرحت تركيا شروطا لإقامتها، منها أن تكون تحت سيطرتها وإشرافها، وأن تكون بعمق نحو أربعين كيلومترا، وأن تؤدي إقامتها إلى إخراج وحدات الحماية الكردية من المناطق الحدودية. في المقابل، أعلن قائد قوات سورية الديمقراطية (قسد)، مظلوم عبدي، مرارا، رفض "قسد" الشروط التركية هذه، مؤكّدا أن عمق المنطقة الآمنة يجب أن لا يزيد عن خمسة كيلومترات، وأن تكون الحماية دوليةً لا تركية، بل وربط عبدي إقامة هذه المنطقة بخروج تركيا من عفرين. وفي مقابل الخلافات الكبيرة بين الموقفين، التركي والكردي، بدا الجانب الأميركي، كأنه يقوم بدور الوسيط بين الطرفين من جهة. ومن جهة ثانية، يتبع سياسة الغموض، بالاكتفاء بتصريحات قصيرة عامة، عند كل منعطف أو مشكلة. ومن جهة ثالثة، يطالب الحلفاء الأوروبيين بإرسال قوات إلى شرقي الفرات، عقب إعلان ترامب أنه سيسحب قوات بلاده من شمال شرق سورية، قبل أن يقرر الإبقاء على نحو أربعمائة جندي هناك. 
لعل اللافت والجديد في الأمر هو التهديد المتكرّر لوزير الخارجية التركي، مولود تشاويش 
أوغلو، بأن بلاده ستقوم بعملية عسكرية في شرقي الفرات، ما لم تتم إقامة منطقة آمنة هناك. وهذه المرة الأولى التي تربط أنقرة بين عملية عسكرية في شرقي الفرات وإقامة منطقة آمنة، الأمر الذي فسره بعضهم بمحاولة تركيا فرض شروطها على الجانب الأميركي بشأن إقامة المنطقة الآمنة، قبل أن يخرج أوغلو إلى الإعلام، ويلطف فشل المحادثات بين الجانبين، بالقول إن اقتراحات واشنطن بهذا الخصوص لا ترضينا.
تطرح نتائج المباحثات الأميركية – التركية أسئلة كثيرة عن مستقبل فكرة إقامة المنطقة الآمنة أو عدمها، وأسئلة أخرى، عن الأهداف الحقيقية من إقامة هذه المنطقة، على نحو: هل هي حقا لحماية تركيا من هجمات كردية محتملة؟ أم لمنع تركيا من الهجوم على حلفاء أميركا في شرقي الفرات؟ وهل هي لحماية المنطقة مستقبلا من هجوم محتمل للنظام السوري وحليفيه، الروسي والإيراني؟ وأبعد من قضية الحماية الأمنية، هل هناك أبعاد سياسية لإقامة مثل هذه المنطقة؟ وهل هناك تشابه بين سيناريو إقامة هذه المنطقة في شمال شرق سورية وما جرى لإقليم كردستان العراق قبل أكثر من ربع قرن؟ لعل هذه الأسئلة الكثيرة تطرح العنان للهواجس التركية الدفينة، فثمّة من يرى في تركيا أن إقامة هذه المنطقة ليست سوى مخطط لإقامة إقليم كردي جديد برعاية أميركية. وعليه، يؤكد هؤلاء الرفض التام لإقامتها ما لم تكن تحت السيطرة الكاملة لتركيا، فيما الكردي الذي يرى تجربة عفرين أمام عينيه يؤكد أن حمايته أصبحت قضية وجود، في ظل التهديدات التركية التي لا تتوقف، وأن هذه الحماية لا يمكن ضمانها في ظل الفوبيا التركية من القضية الكردية. وعليه، يصر على أن تكون المنطقة الآمنة المنشودة بحماية دولية وبمشاركته، وإلا فإن احتمالات المواجهة تبقى قائمة، خصوصا في ظل الحشود التركية على الحدود، والاستنفار الكردي في الجهة المقابلة.
55B32DF5-2B8C-42C0-ACB3-AA60C835F456
خورشيد دلي

كاتب سوري، عمل في قنوات تلفزيونية، صدر له في 1999 كتاب "تركيا وقضايا السياسة الخارجية"، نشر دراسات ومقالات عديدة في عدة دوريات وصحف ومواقع إلكترونية.