عن مستقبل التعليم في الأردن

عن مستقبل التعليم في الأردن

28 يوليو 2019
+ الخط -
أثارت نتائج امتحان الثانوية العامّة في الأردن، التي أعلنت قبل أيام، لغطاً كبيراً في الشارع، وخصوصاً لأن معدلات علامات المتقدمين له سجلت أرقاماً غير معهودة في هذا الامتحان السنوي المركزي، الذي يحدد مستقبل الدراسة الجامعية للطلبة، إذ حاز صاحب المركز الأول العلامة الكاملة (مائة من مائة)، لأول مرة في تاريخ المملكة، كما حاز تسعة من طلبة الفرع العلمي 99.9 من مائة، بينما جرت العادة في السنوات السابقة أن تتراوح العلامات الأولى بين 97 و98 من مائة. كذلك تجاوز عدد الطلبة الذين حصلوا على علامة أعلى من 90 من مائة، ثمانية آلاف طالب وطالبة، بحسب أرقام وزارة التربية والتعليم الأردنية، فيما كان هذا الرقم يتراوح في السنوات الأخيرة بين ألف وألفي طالب وطالبة في حدّه الأقصى.
تلقى الشارع الأردني هذه الأرقام غير المسبوقة، التي ربما تكون مألوفة في دول عربية أخرى، بكثير من الدهشة، متسائلاً عن معناها في ما يخص جودة التعليم في البلاد، لأنها تؤشّر، بشكل أو بآخر، على تراخي وزارة التربية والتعليم في امتحان التوجيهي (الثانوية العامة) هذه السنة، وخصوصاً لأنها ترافقت وارتفاع نسب النجاح، بل الحصول على علامات مرتفعة من التي تؤهل الطلبة لدراسة تخصصات مشروطة بحسب النظام التعليمي الأردني، مثل الطبّ الذي يشترط لدراسته الحصول على علامة أعلى من 85 من مائة، والهندسة التي تتطلب علامة أعلى من 80 من مائة، وقد ظل التشدّد في الامتحان خلال العقود الماضية، دليلاً على جدواه مقياساً لقدرات الطلبة، وتحديد مساراتهم التعليمية، بما ينعكس إيجابياً على جودة مخرجات التعليم الجامعي في نهاية المطاف، في بلد يتوفر على نحو ثلاثين جامعة، منها عشر حكومية، يتنافس الطلبة على مقاعدها سنوياً، قبل أن يتحول غير المقبولين فيها إلى مقاعد الجامعات الباقية.
جرى ذلك، بعد أسابيع من سحب دولة الكويت اعتمادها خمس عشرة جامعة أردنية، معظمها 
من جامعات القطاع الخاص، والإبقاء على اعتماد خمس جامعات حكومية فقط، كما سحبت دولة قطر اعتمادها سبع جامعات أردنية. وأثار القراران لغطاً في الشارع، لأن جودة التعليم الجامعي في الأردن، وقدرته على استقطاب آلاف الطلبة من دول عربية، ظل مثار اعتزاز الأردنيين على مرّ السنين. واللافت أن هذا الأمر سبق بأيام إنجازاً مهماً حققته الجامعة الأردنية، وهي أولى الجامعات الأردنية وأكبرها، وذلك بتقدمها إلى فئة "خمس نجوم" في تقييم مؤسسة QS البريطانية، التي تعدّ إحدى أكبر ثلاث جهات تعنى بتصنيف الجامعات في العالم من حيث الأهمية والتأثير، إذ حصلت الجامعة على هذا التقييم في ستة من أصل ثمانية محاور اعتمد عليها التقييم: التعليم، التوظيف، العالمية، البيئة الجامعية، الابتكار والشمولية.
والحال أن ما يجري يدفع إلى التساؤل عن مستقبل التعليم في الأردن؛ المدرسي والجامعي، فالواضح أن ثمة تفاوتاً أثبتته السنين في جودة التعليم بين الجامعات الأردنية، ما يعني أن ثمة حاجةً لدقّ ناقوس إعادة النظر في مسارات الجامعات التي لم تحافظ على مستوى تعليمي مرموق، كالذي ما زالت تحققه الجامعات الأردنية الرائدة، منذ تأسيسها، مثل الجامعة الأردنية (أُسست عام 1962)، جامعة اليرموك (1976)، جامعة مؤتة (1981)، جامعة العلوم والتكنولوجيا (1986) والجامعة الهاشمية (1995)، بهدف الحفاظ على جودة وقيمة الشهادات التي تمنحها الجامعات الأردنية، لدى سوقي العمل، الأردني والعربي، ولدى الجامعات الأجنبية للراغبين باستكمال دراستهم العليا في الولايات المتحدة وأوروبا وغيرهما.
وإذا كان الأمر كذلك بالنسبة للتعليم الجامعي، فإنه كذلك أيضاً بالنسبة لامتحان الثانوية العامة، لأنهما مساران متكاملان بالنسبة للغالبية من الطلبة، باستثناء الذين يطمحون للدراسة في الخارج. وليس سراً القول إن تجويد التعليم الجامعي ضروري لا تهاون فيه بالنسبة لبلد ظل اقتصاده يستفيد ممن يصدرهم للعمل في الخارج، بفضل تحويلاتهم المالية، كما ظل مجتمعه يشدّد على ضرورة تعليم أبنائه، حتى تجد الأسرة الأردنية تضحي بالغالي والنفيس، وتقبل العيش في ظروفٍ صعبة، في مقابل تأمين تكاليف دراسة أبنائها في الجامعات، بل متابعة تعليمهم حتى الدراسات العليا.

1E93C99F-3D5E-4031-9B95-1251480454A7
سامر خير أحمد

كاتب أردني من مواليد 1974. صدرت له سبعة كتب، أبرزها: العرب ومستقبل الصين (بالعربية والصينية)، العلمانية المؤمنة، الماضوية: الخلل الحضاري في علاقة المسلمين بالإسلام، الحركة الطلابية الأردنية. رئيس مجموعة العمل الثقافي للمدن العربية.