أسئلة إلى الرئيس الفلسطيني

أسئلة إلى الرئيس الفلسطيني

26 يوليو 2019
+ الخط -
"لا نغفر الهدم في مناطق أ أو ج، ولكن هذه أول مرة يتم الهدم في هذه المنطقة، وهو ما نعتبره منتهى الوقاحة والعدوان على الحقوق الفلسطينية.. القيادة الفلسطينية سوف تجتمع لاتخاذ "موقف واضح وصريح ومحدّد من كل هذه الإجراءات"... بهذه الكلمات، علق الرئيس الفلسطيني محمود عباس، على نسف عشرات المنازل في حي وادي الحمص جنوب القدس المحتلة. وتستحق هذه الكلمات المقتضبة إزاء الجريمة الفاشية الوقوف عندها، لأن فيها ما يكشف حقيقة رؤية الرئيس عباس وفهمه للصراع مع هذا الاحتلال.
بدايةً سيدي الرئيس، ما وقع في وادي الحمص وشاهده العالم بالبث الحي والمباشر، لم يكن هدماً لمنازل، بل كان نسفاً بالمتفجرات والديناميت. ولم يكن "إجراءات"، بل عملية نسف وتدمير واعتداء بديناميت الاحتلال الإسرائيلي، وتحت حراسة جنوده وأسلحة شرطته. ثم من أخبرك يا سيادة الرئيس، أنها المرة الأولى التي تنسف فيها جرافات الاحتلال وآلياته منازل داخل ما تسمى "مناطق السلطة"، أم أنك ومستشاريك نسيتم ما دمرته دبابات الاحتلال وطائراته من شوارع ومبان ومنازل في كل مدن الضفة الغربية وقراها ومخيماتها خلال الاجتياحات التي نفذها جيش الاحتلال طوال سنوات الانتفاضة الثانية. أم كأنكم نسيتم قصف المقاطعة على رأس الرئيس الراحل ياسر عرفات ومن معه. ثم كأن رئيس الشعب الفلسطيني نسيَ عشرات المنازل التي نسفها الاحتلال في مناطق السلطة وخارجها، بحجة ارتكاب أحد أصحابها عمليات إرهابية ضد مواطنين إسرائيليين. وماذا عن مئات المنازل التي نسفت على رؤوس ساكنيها في حروب الاحتلال على غزة، أم أن غزة باتت خارج مناطق السلطة الفلسطينية. وماذا عن المنازل التي يهدمها الاحتلال داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، وفي القدس وضواحيها، أم أن هذه المنازل والأملاك الفلسطينية باتت خارج حساب السلطة الفلسطينية. أو كأن أهلنا في عرعرة (المثلث)، حيث هدم الاحتلال قبل يومين منزلاً هناك باتوا خارج قيود الإحصاء الفلسطيني، وصار للسيادة الإسرائيلية أن تُنكّل بهم كما تشاء.
أما عن الوقاحة الإسرائيلية، فلم نكن نعلم سيدي الرئيس، أن نسف البيوت في مناطق أ و ج هو منتهى وقاحة الاحتلال وحسب، ومنذ متى كان لوقاحة المُستعمر منتهى. وإذا كان نسف الحجر، على بشاعته، هو منتهى وقاحة الاحتلال، فبماذا تصف كل ما يرتكبه الاحتلال من جرائم الاغتيال الفردي والجماعي بحق أبناء الشعب الفلسطيني، على امتداد الوطن الفلسطيني، منذ ما قبل عام 1948. والملاحظة ما قبل الأخيرة أن من نسف بيوت الفلسطينيين في وادي الحمص، ومن هدم منزل عائلة الفلسطيني إبراهيم مرزوق، في حي خور صقر في قرية عرعرة في المثلث، ومن هدم الآبار وجرف الأراضي في محمية أم الخير جنوب الخليل، هو الاحتلال الإسرائيلي، لا "الجانب الآخر" كما بات يُسمى في الخطاب الرسمي للسلطة الفلسطينية.
جاء في الرد المقتضب للرئيس الفلسطيني كذلك أن القيادة الفلسطينية سوف تجتمع، لاتخاذ "موقف واضح وصريح ومحدّد من كل هذه الإجراءات". ومن حق كل فلسطيني، بمعنى الانتماء لا الهوية، أن يسأل: بماذا ستختلف قرارات هذا الاجتماع عما سبقه من اجتماعاتٍ عقدتها القيادة منذ تكبلت باتفاقيات أوسلو وملاحقها؟ الأكيد أن القيادة الفلسطينية ستجتمع حول الرئيس، تماماً كما تحلقت حوله الأسبوع الماضي لتشجيع المنتخب الجزائري في نهائي كأس الأمم الأفريقية، ولكن المُؤكد أن هذه القيادة لن تعلن استئناف الكفاح المسلح ضد الاحتلال الإسرائيلي ومصالحه. ويقيناً أنها لن تعلن إلغاء الاتفاقيات المُبرمة علانية وسراً مع الاحتلال. وحتماً لن توقف التنسيق الأمني مع "الجانب الآخر". الأكيد أن القيادة الفلسطينية ستقوم بعملية "قص ولصق" لنصوص بياناتٍ سابقة، تعيد وكالة "وفا" نشرها بعد وصفها بقرارات تاريخية. لا تنتظروا من هذه القيادة أكثر من بيان مقتضب يجتر كلاماً خالياً من أي موقف واضح أو صريح أو محدّد.
AE03ED80-FBD8-4FF6-84BD-F58B9F6BBC73
نواف التميمي
أستاذ مساعد في برنامج الصحافة بمعهد الدوحة للدراسات العليا منذ العام 2017. حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة غرب لندن في المملكة المتحدة. له ما يزيد عن 25 سنة من الخبرة المهنية والأكاديمية. يعمل حالياً على دراسات تتعلق بالإعلام وعلاقته بالمجال العام والمشاركة السياسية، وكذلك الأساليب والأدوات الجديدة في توجيه الرأي العام وهندسة الجمهور.