خيرت الشاطر.. المفترَى عليه

خيرت الشاطر.. المفترَى عليه

25 يوليو 2019
+ الخط -
حدثني "تروتسكاوي" من جماعة الأمميات التي وقفت تحت ظلال أشجار الزيزفون محتقرةً ربيع شعوبها العربي، مرّة بحجة أنها خرجت من المساجد وليس من الميادين، كما تعلل أدونيس، ومرة لأنها صادرة من حناجر الرجعية العربية، قال: إنه أحب براءة الثورة في بدايات سنة محمد مرسي، ذلك الفلاح، كما أكد مرارا خلال حديثه.. وأكمل أنه ذهب إلى بيت خيرت الشاطر أياما ومرات عدة، وكم كان الرجل مدهشا، كما على غير عادة أصحاب اللحى المستورين، وعاملني بلباقة تفوق الحد، كضيف، غير مكلف تماما، كما وصف هو، أو من "أولياء الدنيا" كما وصفه خيرت الشاطر ضاحكا. وأكمل الصديق وصفه: إنه لم يكن حنبليًّا بالمرة كما يشاع عن الإخوان المسلمين، بل كان متسامحا في ضيافته، على غير كل ما هو متوقع. .. إلا أن الأخ التروتسكاوي انتهى، في آخر حديثه، بالسؤال العنصري بالطبع: كيف يحكمنا فلاحان، محمد الكتاتني من المنيا يشرّع في مجلس الشعب من قبلي، ومرسي الفلاح من الشرقية ينام في قصر الاتحادية رئيسا وآكلا للبط؟ ووقف وقال: ذلك ضد حتى قانون الحضارة يا فلاح. .. وعرفت فيما بعد أنه كان من أركان 30 يونيو (2013)، ولكنه كان يستحي أن يقول ذلك لي. بعدها بسنوات انتقل إلى صف قتلة جمال خاشقجي في إسطنبول، ووقف مع الرجعية العربية التي حاربها خمسًا وأربعين سنة من عمره الثوري والسياسي والفني، وهو المتابع المهم جدا للسينما العالمية، فلم أعد أحتار في "هويات الرجل" وغموضها.
جعلني الحديث المتزن لخيرت الشاطر، قبل أيام، في أول مرة يتحدّث فيها، أتأكد كمّ تم الافتراء على ذلك الرجل الصُّلب الذي تحمّل ثلثَ عمره سجونا، من دون أن ينحني لأحد، لا هو ولا ابنه ولا ابنته أخيرا. وأعدتُ على ذاكرتي كل الأوصاف التي نُعت بها الرجل من دون أن يكون كذلك، فلا هو راسبوتين المزواج الذي ترك فقيرات الصومال وتزوج من سورية جميلة لم تبلع العشرين، فأين هي تلك السورية، بعدما تشتتت أسرته في السجون، وكل أمواله أُمّمت لخزينة الدولة؟ ألم تتألم تلك الفتاة حتى من أجل حقها في رعاية صغارها كما كذبوا؟
أما أمر تلك المليشيا التي بلغ تعدادها خمسين ألفا من أشد عناصر الإخوان المسلمين خطورة، وتأتمر بأمر خيرت الشاطر رأسا، وهي على أهبة الاستعداد، بإشارةٍ من أصبعه الخنصر، أن تحيل البلاد والنهر إلى بركة دماء من أسوان حتى دمياط، فقد كذّبها شيء واحد، هي لحظة اعتقال خيرت الشاطر نفسه من غرفة نومه، ولا توجد بجواره سكين بصل، فأين تبخّر الخمسون ألف مقاتل يا كذبة؟ وعلّ تلك الفضيحة المدوية لتسليم الرجل نفسه، بكل سهولة وهدوء، وهو بجلبابه الأبيض بجوار أهل بيته، هي ما أخجلتهم في محاكمته إلى الآن. أما من روّج ذلك وللأسف من الكتّاب الكبار، مات بعضهم، وما تأسّف إلى الآن الأحياء منهم، عن كذبهم في حق الرجل الذي ظهر من كلمته، أخيرا، أنه رجل يحب بلده ووطنه، إن لم يكن أكثر منهم، فهو بالتأكيد أعقل منهم، ومُلمّ بقضيته وإنسانيتها أكثر منهم بكثير، من غير مبالغة أو بلاغة زاعقة (عبيطة)، درّبوا عليها قضاة لا يُجيدون نطق المكتوب، ووكلاء نيابة يتدرّبون على الخطابة في عيد الأم أو رؤية هلال رمضان. شيء يثير الضحك أحيانا من تهافُت الجمل وعبطها وصياغاتها. وعلى من يريد أن يتأكّد سماع كلمات القضاة ووكلاء النيابة، بشرط أن يخاصم سيبويه، ويصاحب محمود شكوكو في كازينو العنبة، وإن كان شكوكو أكثر فصاحةً ولباقةً في النطق، ولا يأكل آخر الكلمات مخافةً من فضيحة النحو.