ماذا يُريدون من مسرور البرزاني؟

ماذا يُريدون من مسرور البرزاني؟

23 يوليو 2019

في موقع اغتيال الدبلوماسي التركي في أربيل (17/7/2019/فرانس برس)

+ الخط -
للمرة الثانية، يتعرّض السلك الدبلوماسي التركي في الجوار العراقي للاعتداء. إذ سبق أن تعرّضت القنصلية التركية في الموصل، في يونيو/ حزيران 2014، للاستهداف، وخطف تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) نحو خمسين دبلوماسيا تركياً، قبل أن يعيدهم من دون التعرّض لهم. والمنطقة التي تعرّض فيها نائب القنصل التركي في أربيل للاغتيال، يوم الخميس الماضي (18/7/2019)، تشهد وجودا أميركيا ودوليا أمنيا وعسكريا، وهي محصنة، ولذلك جاء الخطاب الأميركي قاسياً، وبنبرة حادة؛ مخافة تكرار العمليات ضد تمثيل دول أخرى في الإقليم.
ووصفت حكومة إقليم كردستان العراق العملية بأنها إرهابية، ولعلها رسالة تقول إن الإرهاب إن عاد سيشمل الشرق الأوسط برمته، ما يعني مزيدا من التنسيق والدعم الدولي لمحاربة الآفة التي لن تقتصر على الكرد فحسب، ولنا في الخروق الأمنية في مطار أتاتورك، والعمق الفرنسي، مثالاً يُحتذى به، عدا عن التفجيرات والاغتيالات في العراق، وبعض الدول العربية. على الرغم من الاحتمال القوي لاستبعاد تنظيم داعش من دائرة الشبهات؛ فالعملية تحتاج تخطيطاً ومعلومات دقيقة، وليس وضع التنظيم في حالة يسمح لعناصره بالوصول إلى تلك المنطقة، أو أن التنظيم يشهد إعادة ضبط وترتيب، ويسعى نحو عمليات نوعية وخطيرة لم تكن ضمن مُخططاتهم، وهذه وحدها تشي بالدعم على مستوى الدول، أو بعض التنظيمات السياسية العميقة في دائرة ضيقة، يُمكنها تزويدهم بأدق التفاصيل.
تعوّدَ شعب كردستان على ثقافة الغلو في الردود الإعلامية والخطابات السياسية، بل وحتى العسكرية أيضاً. وهدف التهويل الإعلامي إلى بث التفرقة، وصولاً إلى القطيعة بين تركيا وإقليم كردستان، خصوصا أن منطقة الإقليم رمز لجغرافية آمنة ووادعة، وثاني الديمقراطيات بعد لبنان، في وسط الحطام والبؤس العربي الذي فرضته الأنظمة، ولكن ما فات هؤلاء أن 
زيادة التنسيق الأمني والعسكري والاقتصادي سيكون الرد على عملية الاغتيال.
على الرغم من عدم تبنّي أيَّ جهة العملية، حتى كتابة هذه السطور، فإن الرسائل لم تكن موجهة صوب الانتقام من تركيا وحدها، بل بالدرجة الأولى: للاستقرار الأمني والاقتصادي في الإقليم، خصوصا أنها جاءت في فترةٍ تشهد مناطق كردستان العراق ازدهارا سياحياً بلغ ذروته بعد أكثر من أربعة أعوام من التضرر الكبير لقطاع الاستثمار السياحي. وثانيتها: رسالة تهديد، وتحديداً للعاصمة أربيل، ومنطقة نفوذ الحزب الديمقراطي الكردستاني، ولما له من علاقات قوية مع جارته تركيا، وتوجيه رسالة إلى التركيبة الحكومية الجديدة. وثالثتها: وهذه مُخصصة للرئيس الجديد للحكومة، مسرور البرزاني الذي شغل مناصب أمنية وعسكرية عديدة، وهذه أول مهمة وتكليف سياسي إداري رسمي له على مستوى الإقليم ككل، وتبليغه عدم الرضا عن برنامج حكومته، وتعامله مع أطراف كردية أخرى.
وفي موازاة تلك الرسائل، يوجد هدف ثُنائي من العملية، خاص بتركيا، بشأن سياساتها في الشرق الأوسط، وعدم اكتفاء أعدائها بالخطاب السياسي، وإن كان الصراع الدموي العسكري بينها وبين حزب العمال الكردستاني في أوجه، خصوصا أن الأخير يسعى إلى كسر هيمنة حزب العدالة التنمية سياسياً في تركيا، إلا أن للأخيرة خلافات حادة مع دول أخرى أيضا، ما يوسع دائرة المشتبهين.
ويخوض الحزب الديمقراطي الكردستاني، وزعيمه رئيس الإقليم مسعود البرزاني، صراعاً مخفياً، جوهره تثبيت الحقوق والوجود القومي الكردستاني في المنطقة، تماشياً وبموازاة مع ما شهده وستشهده المنطقة من تغيراتٍ في التركيبتين، السياسية والجغرافية، وتأثيرهما على 
الوضعين، الاقتصادي والأمني، في الشرق الأوسط. ولعل الأكثر دقةً أن المرويات عن مسرور البرزاني تتجه صوب تمسّكه بنتائج الاستفتاء على استقلال كردستان 2017، وهو ما يؤرق دول الجوار، خصوصا إيران، والعمق العربي في العراق، الأولى اتبعت خطاباً ناعماً هادئاً، لكنها فعلت كل ما في وسعها لإجهاض النتائج، والثاني لم يكن سوى أداة للتنفيذ.
الصورة المعمّمة على صفحات الإنترنت والمواقع الرسمية لحكومة الإقليم، للمدعو مظلوم داغ، والمتهم باغتيال الدبلوماسي التركي، من مواليد 1992، شقيق للنائب في البرلمان التركي عن ولاية ديار بكر، السيدة ديرسم داغ، من حزب الشعوب الديمقراطي. ويحمل هذا الأمر رسالة ثلاثية التوقعات: الأولى، أن الجيل الجديد لم يُحم بعد من عمليات القرصنة وغسل الدماغ، وإن الإرهاب لا يزال يجول في ملاعب المراهقين، ما يعني أن لا خطط ولا استراتيجيات لحماية النشء الجديد من شبح الانضمام إلى تلك التنظيمات. الثانية، المعضلة التي تنتظر حزب الشعوب الديمقراطية والنائب ديرسم، وإن لم يكن لها علاقة مُباشرة، أو حتى مُجرد تواصل مع شقيقها، فإن التعميم وشمولية العائلة وتمثيلها الحزبي سيكونان أمام خطر الإبعاد أو رُبما إلصاق تهمة الإرهاب بأحد التركيبين السابقين. على أقل تقدير، سيُستخدم الخطاب الدعائي برمزية الإرهاب ضد الحزب المذكور. والثالثة، سيبقى الإقليم يعيش تحت وطأة الجناة من أبناء الجلدة، وتاريخ الكرد مشهود بنماذج وتجارب لمن خانوا القضية الكردية أو ساهموا في تأجيج نار الصراعات بين بعضهم بعضا أو مع خارج الدائرة الكردية.
ويذكر أن الصحافي أحمد زاويتي، وطاقم عمل قناة الجزيرة، تعرّض للضرب والإهانة في موقع الحادثة، ما دفع رئيس الحكومة إلى الإشراف شخصياً، وعبر مدير مكتبه، والناطق باسم الحكومة، والسكرتير الصحافي لرئيس الوزراء، على متابعة القضية، وإعادة الحق إلى نصابه وتقديم الاعتذار للصحافي، ومحاسبة العناصر والعسكريين المذنبين، وفق ما نشره زاويتي على صفحة "فيسبوك" الخاصة به، ما يشي بأريحية للعمل الصحافي، وحماية حقوقهم.
وسط تمثيل دبلوماسي رفيع المستوى، متعدّد ومتنوع الجهات والدول. يبقى السؤال الأهم: لماذا تم استهداف التمثيل التركي تحديداً، وفي إقليم كردستان خصوصاً؟ وكردستان العراق تعيش مرحلة الانتعاش مُجدداً، ووضع الترتيبات النهائية لانطلاقة حكومة قوية ذي علاقات متينة مع دول الجوار. ورُبما، لا يُمكن استبعاد مآل القضية الكردية في سورية من نتائج عملية الاغتيال وأغراضها.