إيران في المواجهة لتحريك ركود العداء الأميركي

إيران في المواجهة لتحريك ركود العداء الأميركي

22 يوليو 2019
+ الخط -
استثمرت إيران، في قرار مجابهتها الولايات المتحدة الأميركية، على صعيدين داخلي وخارجي، وحوّلت رفضها الخضوع للشروط الاثني عشر التي أعلنها وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، لعقد اتفاق نووي جديد معها وتطبيع العلاقات الأميركية - الإيرانية العام الماضي (21/5/2018)، إلى مسار آخر يمكن تسميته المواجهة الندّية، متجاوزة ما كانت تعتقده بعض القوى الإقليمية والعربية أنها خطوط حمراء، قد تكلف إيران بموجبها ضربة عسكرية أميركية موجعة، إلا أن ما حدث حتى اللحظة يدخل في إطار المكاسب الداخلية للنظام الإيراني، الذي يجتهد في تصوير تجاوزاته تلك للداخل الإيراني أنها حقيقة الثمن الذي دفعه الشعب الإيراني، لتكون دولته في موقع القوة المواجهة للولايات المتحدة الأميركية، والقوى الحليفة لها. وعلى الرغم من الشطط في هذا التصور، إلا أنه لبّى ما أراده النظام داخلياً، وذلك في "التخلي" أو التأجيل الشعبي لمطالب الإصلاح الاقتصادي والسياسي في الشارع الإيراني، التي كادت أن تصبح من معالم الحياة اليومية في بعض المدن الإيرانية، في انتظار ما ستؤول إليه المواقف الغربية الغامضة تجاه "التشبيح" الإيراني في منطقة الملاحة الدولية في مضيق هرمز.
وبينما تؤكد واشنطن أنها لا تسعى إلى الخيار العسكري ضد إيران، تتحرّك الأخيرة باتجاه وضع كل الأوراق دفعة واحدة على طاولةٍ مشتعلة، تختبر مدى قوة نيرانها ومساحة امتداد ألسنة لهيبها، أي إنها تجرّ القرار الأميركي إلى منطقة "ما بعد التعقل في العداء" الذي اتبعته بقرارات العقوبات الأميركية، والحصار الاقتصادي الذي أرهق النظام الإيراني داخلياً، وأربكه في علاقاته خارجياً. ولهذا، فإن خيارات طهران في المواجهة باستخدام القوة العسكرية، هي محاولة لزعزعة الركود العدائي بين الطرفين:
إما لتأزيمه، بحيث تقع المحظورات التي يعلم كل من الإدارة الأميركية والنظام الإيراني أنها تصبّ في غير صالحهما، فحيث تقتنص إيران توقيت مسعى الرئيس الأميركي إلى تجديد ولايته في الانتخابات المقبلة، ما يعني الرضوخ لإرادة ناخبيه بإبعاد شبح الحرب عن جنودهم، يستند الرئيس ترامب في الضغط على طهران اقتصادياً إلى تعقيد ظروف الحياة الداخلية، ما 
يؤدي إلى استخدام الاحتجاجات الداخلية وسيلة ضغط لتهذيب سلوك النظام الإيراني، والتفاته إلى الداخل، بديلاً عن انتشار قواته وتمدّدها في سورية ولبنان والعراق واليمن، وتجنيد مقاتلين محليين فيها كحزب الله، لزعزعة استقرار حليفتها إسرائيل.
أو لاحتواء العداء بالجلوس إلى طاولة مفاوضاتٍ ندّية، لا تعتمد مطالب أميركية فوقية حددها بومبيو العام الماضي، وعاد ليذكر بها من سوتشي، بعد مرور عام على طرحها (14/5/201) خلال لقائه وزير خارجية روسيا، سيرغي لافروف، مؤكداً أن المطلوب أن تتصرّف إيران بوصفها دولة طبيعية، أي أن تنظر إلى المطالب الأميركية الاثني عشر بأنها وسيلتها لتكون دولة طبيعية في المنطقة، (من وقف تخصيب اليورانيوم وعدم تكرير بلوتونيوم إلى إغلاق مفاعلها والسماح بتفتيش منشآتها، ووقف نشر الصواريخ الباليستية، إلى إطلاق سراح المحتجزين الأميركيين والأوروبيين وصولاً إلى سحب قواتها من سورية، والتعامل باحترام مع الحكومة العراقية، ووقف دعم حزب الله وحركة حماس والحوثيين و"طالبان" والإرهابيين في أفغانستان وغيرهم، والكف عن تهديد حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، والمقصود إسرائيل والسعودية والإمارات، والتخلي عن تهديد عمليات النقل البحرية الدولية ووقف الهجمات السيبرانية "الإلكترونية").
هذه الشروط ذاتها هي التي حولها النظام الإيراني برنامج عملٍ من شأنه أن يحرج إدارة ترامب، وأن يحوّل حلفاء ترامب إلى مندّدين لسياسته التصعيدية ضد إيران والاتفاق النووي، فقد تجاوزت إيران نسب التخصيب التي استقرّ عليها الاتفاق، بما يؤدي إلى سماع صرخات الغضب الأوروبية على الانسحاب الأميركي من الاتفاق، وتابعت في تطوير صواريخها
الباليستية، وتحدّت القرار الأميركي بتوسيع دائرة تدخلاتها في الدول الأربع، ما أهدر مفاعيل الوساطة الدبلوماسية الروسية التي اعتمدت على الرغبة الإسرائيلية - الأميركية بتحجيم إيران، لا محاربتها، وعلى واقعية إيران في خصومتها مع إسرائيل خلال العقود الثلاثة الماضية، بتحديد مساحة الحرب خارج حدودها، أي إن سورية هي الساحة المستأجرة لهذه الحرب غير المباشرة التي لن تتحوّل إلى مباشرة، على الرغم من الضربات الإسرائيلية على مواقع الانتشار الإيراني في سورية، من دون أن يعني هذا التصعيد أن إدارة خامنئي تقفل باب المفاوضات، ولكن ضمن ما يحفظ مصالحها داخلياً بإبعاد الأيدي الأميركية من العبث في علاقتها مع معارضتها، أي ضمان هدوء جبهتها الداخلية، وبالمحافظة على مصالحها في بواباتها العربية في سورية ولبنان والعراق، مع الاستعداد للتفاوض على إدارة ظهرها في اليمن، بعقد تفاهماتٍ مع دول الجوار، وفق منطق المنتصر المسالم، لا الخاسر المضطر.
وعلى ذلك، لا ترى إيران في استفزاز الولايات المتحدة أو حلفائها الغربيين، عملاً متهوراً، يدخلها في "الطريق الخطيرة" التي تحدث عنها وزير الخارجية البريطاني جيرمي هنت، السبت الماضي، تعليقاً على احتجاز إيران يوم الجمعة الماضية ناقلة النفط "ستينا إيمبيرو" التي كانت ترفع العلم البريطاني، وهي كما تبدو عملية تدخل ضمن تنفيذ ما صرّح به المرشد 
الأعلى في إيران علي خامنئي (16/7/2019)، بعيد احتجاز القوات البحرية البريطانية الناقلة الإيرانية "غريس1": "إن إيران لن تدع تلك الأعمال تمر من دون رد"، وهي عملية بعد نحو شهر من إسقاط الطائرة الأميركية المسيرة (20/6/2019) في المضيق ذاته، وانتهت إلى مجرد فرض عقوبات اقتصادية جديدة على إيران، من دون رد فعلي سوّقته بعض وسائل الإعلام أنه سيكون الشعرة التي تقصم ظهر إيران، ليأتي الرد الأميركي المهادن وغير العسكري، بما يتناسب والخطة الإيرانية في تأكيد موقعها المقاوم أمام الشعب الإيراني، وبما يضمن للنظام سلامته من الثورة الداخلية ضده.
ربما تأتي خطوة الولايات المتحدة نشر قواتها في الخليج، وعمليتها العسكرية المعلن عنها تحت مسمى "غارديان"، لتأمين الطرق البحرية وتعزيز المراقبة والأمن في الممرّات البحرية لضمان حرية الملاحة، ولكن هذا يجعلنا نستذكر أن التمدّد الإيراني في العراق حصل مع الوجود الأميركي فيه، وجاء انسحابه من العراق، ليصب في مصلحتها، ما يجعل الاطمئنان للخطوات الأميركية رهاناً على المجهول الذي قد يفضي إلى صفقة إيرانية - أميركية، لا تلتفت إلى كل مصالح الدول من ممولي الحملة الأميركية على إيران، بل يمكن أن تكون الشرطي الذي يرفع عصاه بوجهها.
930EB9D8-8BB0-4CDA-8954-FE630C4A380F
سميرة المسالمة

كاتبة وصحافية سورية، رئيسة تحرير جريدة تشرين سابقاً، نائب رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية