معوقات خارجية للديمقراطية العربية

معوقات خارجية للديمقراطية العربية

21 يوليو 2019
+ الخط -
كثيرة المقالات والأبحاث والكتب عن المعوقات البنيوية التي تواجه نشوء الديمقراطية وتطورها في العالم العربي، لكن قلة قليلة ما ركز منها على المعوقات الخارجية والدور الغربي في منع نشوء ديمقراطية عربية أو تأخيره. ولا يحاول هذا المقال إبعاد الضوء عن الأسباب العربية الداخلية المعيقة للديمقراطية، فهي الأساس لفهم أسباب انعدام الديمقراطية بالمعنى الحقيقي، سواء على صعيد البنى الاجتماعية ـ الاقتصادية ـ السياسية ـ الثقافية غير المهيَّأة لإنتاج الديمقراطية، أو على صعيد النظم الدكتاتورية المستعدة لتدمير البلد من أجل عدم التخلي عن السلطة. يهدف هذا المقال إلى الإضاءة سريعا على السياسة الأميركية في تعاطيها مع النظم الاستبدادية والديمقراطيات الناشئة منذ الحرب العالمية الثانية. ويمكن تقسيم التعامل الأميركي مع البلدان الدكتاتورية والبلدان ذات الديمقراطيات الناشئة إلى عدة مراحل:
مرحلة الحرب الباردة: كانت الولايات المتحدة تبحث عن حلفاء لها في العالم الثالث، غير آبهة ما إذا كان شركاؤها ديمقراطيين أم لا. وهكذا وقفت ضد رئاسة سلفادور أليندي في تشيلي، ودعمت الانقلاب العسكري الاستبدادي بزعامة أوغستو بينوشيه، وهكذا تحالفت مع باكستان ومصر أنور السادات. وكان ثمة رأي في الولايات المتحدة آنذاك يركز على السياسة الخارجية للدول في العالم الثالث، وعلى سياساتها الاقتصادية الداخلية. ولذلك كان ثمّة دعم لتعزيز مركزية السلطة في رئاسة قوية من أجل منع الشعب من المطالبة بتوزيعٍ عادلٍ للثروة، لأنها ستخرّب اقتصاد السوق. وكانت تشيلي زمن بينوشيه تمثيلا لذلك، حيث طبقت الحكومة الحقوق فقط لحماية الملكية الخاصة، وحرية التعاقد، والأسواق الخاصة غير المقيدة، بينما قمعت بشدة الحقوق المدنية والسياسية.
ما بعد الحرب الباردة: ظهر في هذه المرحلة توجه عالمي لتأييد التحول الديمقراطي، ودعم
 حقوق الإنسان، من دون أن يؤثر هذا التوجه الجديد على مبدأ السياسة الأميركية الخارجية التي قد ترفض الديمقراطية وتحاربها، إذا ما هددت مصالحها في هذه الدول. وقد تم التعبير عن هذا التوجه العالمي في سياسة الاتحاد الأوروبي أكثر ما عُبر عنه في السياسة الأميركية، فقد ربط الاتحاد الأوروبي العضوية فيه، والحصول على دعم اقتصادي، باتخاذ الدول في أوروبا الشرقية، فضلا عن إسبانيا والبرتغال، خطوات مهمة نحو الديمقراطية. وهكذا، تم وضع اتفاق هلسنكي في منتصف سبعينيات القرن الماضي لترويج الديمقراطية، وفعلا بدأت تظهر النتائج في إسبانيا والبرتغال واليونان، ولاحقا في دول أوروبا الشرقية. وشهدت أميركا اللاتينية، ودول أفريقية وآسيوية، تقدما نحو الديمقراطية بتشجيع أوروبي واضح، مشروط بتقديم المساعدات، وبضغوط منظمات حقوقية عالمية.
مرحلة القرن الـ 21: مع مطلع هذا القرن، أصبح نشر الديمقراطية هدفا عالميا، ففي عام 2000، اجتمع في وارسو مجتمع الديمقراطيات، لنشر الديمقراطية وتوطيدها. وكان لأحداث سبتمبر/ أيلول 2001 دور مهم في دعم الديمقراطية، لاعتقاد العواصم الغربية أن الديمقراطية ستؤدي إلى استقرار اجتماعي واقتصادي وسياسي يخفف من التطرّف المجتمعي. ولكن الولايات المتحدة وجدت نفسها مضطرة إلى التعامل مع الدول الفاعلة في محاربة الإرهاب، بغض النظر إن كانت ديمقراطيات ناشئة أو نظما استبدادية، كما الحال مع باكستان ومصر والسعودية، وحتى النظام السوري، وإن بشكل غير علني. كما اكتشفت أن الديمقراطية قد توصل إلى سدة الحكم تياراتٍ إسلامية معادية لها ولإسرائيل، وقد كانت الانتخابات الديمقراطية في غزة والضفة الغربية مثالا على ذلك، مع نجاح حركة حماس في هذه الانتخابات.
مرحلة الربيع العربي: بدا التخبط واضحا على الولايات المتحدة، فمن جهة هي غير قادرة على عدم دعم الاحتجاجات الثورية المنادية بالحرية والديمقراطية، ومن جهة ثانية كانت تخشى أن تؤدي هذه الاحتجاجات إلى اضطرابات في بعض الدول المهمة، وأن تصل إلى حكمها تيارات معادية لها ولإسرائيل. وعليه كان التعامل الأميركي مختلفا باختلاف البلدان العربية وموقعها في العلاقة معها.
في مصر، ونتيجة الضغط الجماهيري الكبير، خشيت الولايات المتحدة أن يؤدي استمرار نظام
 حسني مبارك في الحكم إلى إشاعة الفوضى، فمارست ضغوطا من أجل تنحي مبارك، والبدء بعملية ديمقراطية، ولكن وصول الإخوان المسلمين إلى الحكم، والبدء باتباع سياسات بطيئة لإعادة مصر إلى مكانتها العربية، أرعب الولايات المتحدة وإسرائيل، فعملت سرا على إطاحة التجربة الديمقراطية الوليدة ودعم الانقلاب العسكري، وإنْ عبر مقولات الثورة أو تصحيح مسارها، عنوانا عريضا يخفي وراءه الأسباب الحقيقية للانقلاب العسكري. وفي ليبيا، لم يكن الهدف الأميركي إنشاء مسار ديمقراطي، بقدر ما كان إسقاط حكم معمر القذافي ونقل البلاد إلى مرحلة الفوضى، من أجل الهيمنة على النفط الليبي. وكانت سورية مثالا صارخا على السياسة الأميركية التي لا تعير أي اهتمام للديمقراطية، فمنذ البداية منعت واشنطن الدول الإقليمية من تزويد المعارضة المسلحة بأسلحةٍ قد تهدد النظام، فقد كان المطلوب صراعا عسكريا طويل الأمد، من أجل تدمير هذه الدولة، وإعادتها إلى ما كانت عليه في الأربعينيات والخمسينيات، ألعوبة تتقاسمها دول إقليمية ودولية.