عفواً أيتها القوانين

عفواً أيتها القوانين

20 يوليو 2019
+ الخط -
فتاة مراهقة، في نحو الخامسة عشرة عاما، ينتهي بها الأمر إلى أن تصبح قاتلة، وتسلم نفسها للشرطة، وتعترف بجريمتها، وتُسجن بانتظار انتهاء التحقيق ليبت بأمرها. الفتاة مصرية، كانت تستقل سيارة أجرة عامة، حين اختطفها السائق الشاب إلى منطقةٍ معزولة، وطلب منها، تحت تهديد السلاح الأبيض الذي كان معه، أن تخلع ملابسها. لم تعرف الفتاة ماذا تفعل، تظاهرت بالإذعان له والموافقة، وانتظرته حتى وضع السكين التي يحملها على الأرض، ثم سارعت بأخذها، وطعنته بها طعنات قاتلة، ثم ذهبت وسلمت نفسها للشرطة، واعترفت بما حدث. قد تشبه القصة أحداث فيلم أميركي مألوف، إذ لطالما قدمت السينما الأميركية أفلاما تحكي قصصا مشابهة، فتيات يتعرّضن للاغتصاب أو القتل، أو فتيات يستطعن النجاة من المغتصبين، أو يتمكنّ من قتلهم قبل أن يتمكنوا من اغتصابهن. غير أنه، في الأفلام الأميركية، يتم التركيز أيضا على المحاكمة التي تنتهي ببراءة الفتاة التي قاومت محاولة الاغتصاب، ودافعت عن نفسها، وهو ما يحدث فعلا في العالم المتقدم، بينما لا أحد، في بلادنا العربية، يمكنه ضمان براءة الفتاة. وفي الغالب الأعم، ستتم محاكمتها بوصفها قاتلة، وربما يخفّف الحكم من الإعدام إلى الأشغال الشاقة المؤبدة نظرا لظروف القضية! ولكم أن تتخيّلوا مستقبل هذه المراهقة، أو من يشبهنها من الفتيات في بلادنا العربية من اللواتي تعرّضن لحالاتٍ مماثلة، إن لم يوجد في محاكمتها قاض نزيه وإنساني، يحكم بقلبه وضميره، قبل الحكم عليها بالقانون.
تعَرف جريمة الشرف بأنها "... التي يرتكبها أحد الأعضاء الذكور في أسرة ما، أو قريب ذكر لذات الأسرة، بحق أنثى من ذات الأسرة، ويُقدم الجاني على القتل لأسباب ظنية تتعلق بشكوك حول ارتكاب الأنثى فعلا مخلّا بالأخلاق". وغالبا ما يحصل الجاني في جرائم الشرف على حكم مخفّف في المحاكم العربية، وبعض محاكم دول العالم الثالث. ومن المعتاد عليه أن تدفع الأسرة أحد أبنائها الذكور القصّر إلى ارتكاب هذه الجريمة، بشكل تتم محاكمته بصفته قاصرا ارتكب جريمة شرف، وقد يحكم عليه بالبراءة، أو بحكم مخفف جدا. في سورية، هناك أمثلة مهولة عن جرائم الشرف حصلت وما زالت تحصل، خرج القتلة فيها أبرياء، أو حكموا بسجن أشهر أو سنة على الأكثر. يحدث هذا في كل البلاد العربية، حيث ترفض الأنظمة تغيير هذه القوانين، بذريعة أن القوانين الناظمة مستمدة من الشريعة، ولا يمكنهم المساس بها، وحيث المجتمعات ذاتها تقاوم، وتعترض على تغيير قانون كهذا، إذا ما أتيح لها حق الاعتراض أو الموافقة، فما زالت مجتمعاتنا تضع الذكر في مرتبة أعلى من الأنثى، وما زالت فكرة الشرف متعلقة بالأنثى، فهي فقط من تهدره، بينما الذكر هو الذي "يريق الدم على جوانب الشرف الرفيع كي يسلم من الأذى". ولهذا يمكنه ارتكاب جريمة تلو الأخرى بحق إناث عائلته، من دون أن يسمّى مجرما، بل المفارقة أن نساء العائلة الناجيات من جرائمه يهللن له، ويعتبرنه بطلا، إذ حدث أن سمعت قصصا كثيرة عن جرائم شرف ارتكبها أخوة ذكور بحق أخواتهم، كانت الأمهات المحرّضات على ارتكابها. ويمكن فهم هذه المفارقة إذا ما أحيلت مباشرة إلى مرجعية متلازمة استوكهولم، والتي تعاني منها نساء عربيات كثيرات.
بالطبع، لا يمكن إدراج أي جريمة ترتكبها أنثى عربية بحق ذكر، مهما طاولها من الأذى منه، تحت بند جريمة شرف. ستحاكمها القوانين الشرعية بوصفها قاتلة، لا بوصفها تدافع عن نفسها ضد الأذى الجسدي والنفسي الذي تعرّضت له ممن قتلته. طبعا قلة من الفتيات أو النساء اللواتي يمكنهن الدفاع عن ذواتهن بهذه الطريقة، فغالبا ما تصمت الأنثى عن هذا الأذى، وتخفيه، خشية العواقب. أذكر في هذا الصدد قصة روتها لي صديقة، طبيبة نفسية، عن فتاةٍ كانت تعاني من حالة نفسية معقدة. وبعد فترة طويلة من العلاج، أخبرتها أن أخاها يغتصبها منذ سنوات عدة، وأن والدها ووالدتها على علم بالأمر! ماذا لو قتلت هذه الفتاة أخاها، هل كان القانون سيبرئها، وهل كان سيعاقب والديها بتهمة التواطؤ على الاعتداء عليها مدة طويلة؟ أقول بكل ثقة إنها كانت ستتهم بوصفها قاتلة، وستحاكم بوصفها قاتلة، وسيؤيد والداها الحكم عليها بوصفها قاتلة. وهذا ما يرجّح أن يحصل للفتاة المصرية الشجاعة التي أنقذت نفسها من أسوأ تجربة تمر على فتاة، وأراحت العالم من مجرم كان سيفعل فعلته، وقد يكرّرها، من دون أي عقاب.
BF005AFF-4225-4575-9176-194535668DAC
رشا عمران

شاعرة وكاتبة سورية، أصدرت 5 مجموعات شعرية ومجموعة مترجمة إلى اللغة السويدية، وأصدرت أنطولوجيا الشعر السوري من 1980 إلى عام 2008. تكتب مقالات رأي في الصحافة العربية.