جمعية عشاق الحَجّاج الدولية

جمعية عشاق الحَجّاج الدولية

20 يوليو 2019
+ الخط -
في مدح الحَجّاج، وكل حجّاج. هذه خلاصة فقرة قدّمتها إذاعة القرآن الكريم الحكومية المصرية يوم الأربعاء الماضي، تناولت سيرة الحجّاج بن يوسف الثقفي، بوصفه رجل الدولة الحكيم الذي واجه شاب الثورة الطائش عبدالله بن الزبير!
هكذا كان ابن الزبير هو المتسبب في أن يضطر الحجاج لضرب الكعبة بالمنجنيق، فضلا عن صلبه في الكعبة، كما كان مصعب بن جبير سبباً في أن يقتله الحجّاج. ولا بأس بهذه الأضرار الهامشية في مقابل إنجازات الحجاج السياسية في الفتوح، والدينية في تنقيط المصاحف وتشكيلها.
ما حدث تزامن مع إعادة نشر مقال كتبه قبل فترة رئيس تحرير صحيفة الدستور، محمد الباز، بعنوان "الحسين ظالماً". يسائل الباز الحسين لائماً: "ما الذى كان سيحدث لو أنه دخل إلى منظومة الحكم تحت ظلال يزيد؟"، ويصل إلى القول إن الحسين "لم يلتزم بفلسفة جده النبي الأعظم"، لينطلق من ذلك إلى حكم عام بالغ الجرأة هو بيت القصيد: "الذين يعتنقون فكرة الشهادة من أجل الحق على ضعفهم، وعلى مدار التاريخ كله، لم يضيفوا للحياة بقدر ما خصموا منها".
يتسق ما يحدث مع تيار مصري وعربي يتسع في السنوات الأخيرة. يعشقون كل قبيح وظالم، وكل قوي متجبر، في أي مكان وزمان، ويكرهون كل مختلفٍ عن القطيع، أي قطيع بالمطلق. يحبون بشار الأسد وترامب وبوتين وسالفيني، ويتغزّلون بكل صورة لرجل شرطة معتد في أميركا، ويحتفون بقانون الطوارئ الفرنسي. يؤيدون التطرّف بالرأسمالية العالمية والمحلية ضد أي شبهة عدالة اجتماعية، ويسخرون من حملات الدفاع عن البيئة، ويُسفهون من حملات مكافحة التحرش. باحثون عن القبح والقيح والانحطاط.
يطابقون ما يعشقونه، أو ما لا يجسرون على مواجهته في مصر.
عالمياً، لا يغيب التضامن العالمي بين عشاق القبح. في قمة العشرين أخيرا، قال الرئيس الروسي، بوتين، إن "الليبرالية أصبحت منتهية الصلاحية"، في انعكاسٍ لتنظيرات مستشاره ألكسندر دوغان، المُنظر العالمي ضد حريات وحقوق البشر. وتنتج روسيا حالياً أعمالاً فنية تقدم قراءاتٍ تبريريةً لماضيها.
ولا بأس من أن تحمل هذه الحالة لدى التابعين العرب الشيء ونقيضه في الوقت نفسه، فهم يرون أميركا تتآمر ضدهم لنشر الديمقراطية والعياذ بالله. وفي الوقت نفسه، ترامب صديق رائع، وهم يرون جماعات الإسلام السياسي تلوي عنق الدين، لاستخدامه لأغراضها، فيلوون بدورهم عنقه في اتجاههم، وشهدنا استخدام الجماعات السلفية على يد اللواء المتمرّد خليفة حفتر في ليبيا، وعلى يد الإمارات في اليمن.
في المقابل، لا غنى عن مزيد من التنسيق والتناغم مع فريق عالمي مضاد. عربياً شهدنا كيف رفع الشباب العربي في ثوراته لافتات التحية وهتافاتها لرفاقه، رسائل من الجزائر إلى مصر، ومن السودان إلى فلسطين. وكم رفرف علم الثورة السورية عالياً في ميدان التحرير.
وعلى الرغم من الاختلافات، إلا أن مشتركات واسعة تجمعنا بالأحلام، وأيضاً بطريقة رؤيتنا الماضي والحاضر. لا زعماء مقدسين مطلقين، ولا تواطؤ على سحق البشر لأجل "المعركة".
يأخذ الحراك منحى أوسع عالمياً. الحركة الحقوقية العالمية لدعم الحريات السياسية والشخصية، المجموعات السياسية المقاومة للزحف اليميني، حركة غريتا تونبرج المراهقة السويدية التي حرّكت مئات آلاف الطلاب في العالم لمكافحة تغير المناخ، حركة "بي دي إس" العالمية لمقاطعة الصهيونية، شبكة العدالة الضريبية وجهودها ضد تلاعب الشركات متعددة الجنسيات. .. جمعية عشاق ابن الزبير العالمية تواجه جمعية عشاق الحجّاج.
التقيت، أخيرا، مصرياً يعمل في منظمة عالمية تقدم حلولاً يستخدمها الملايين لتعميم وسائل التأمين الإلكتروني ضد رقابة الحكومات، قال لي إن كل ما يريده هو أن تعيش أسرته بسلام في مصر، ولا يجد حلاً لذلك سوى بتغيير العالم كله.

دلالات