انتخابات تونس بين العزوف والمزاجية

انتخابات تونس بين العزوف والمزاجية

20 يوليو 2019
+ الخط -
ستُجرى انتخابات تونس التشريعية والرئاسية في موعديهما، أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني المقبلين. وبذلك، تتوقف التشكيكات التي أطلقتها جهات عديدة، في إجراء هذه الانتخابات في موعدها، وتدخل الأحزاب والجهات والشخصيات التي أعلنت ترشحها سباقا انتخابيا، قد تكون نتائجه مفاجئة. واللافت أن نسبة المسجلين تعتبر إيجابية، ببلوغها 000 155 7 مسجلا من أصل عدد السكان (11 مليون نسمة). ويتجاوز هذا العدد بأكثر من مليون ونصف مليون ناخب مسجلي انتخابات 2014، غير أن نسبة الشباب فيه تظل ضئيلة، إذ لم تتجاوز الربع، حسب إحصائيات الهيئة العليا للانتخابات، وهو مؤشّر يراه المحللون، وخصوصا علماء الاجتماع، سلبيا، إذا ما تم النظر إلى النسبة العامة للشباب في المجتمع التونسي (40%) من الفئة العمرية 18/30 سنة. ويرى المتخصص في علم الاجتماع ورئيس المرصد التونسي للشباب، محمد الجويلي، أن 80% من الشباب التونسي فقد الثقة في المناخ السياسي والسياسيين، وخصوصا أن الأحزاب التقليدية في الحكم والمعارضة فشلت في تقديم عروض "مغرية" موجهة إلى الشباب، ولم تبلور توجها واضحا نحوه. وبذلك، فقدت هذه الأحزاب مخزونا معتبرا من الأصوات الانتخابية. ويلتقي الرئيس السابق للمرصد التونسي للهجرة والمدير العام الحالي لديوان التونسيين في الخارج والخبير في ملف الشباب، عبد القادر المهذبي، مع الجويلي، في توصيف الحالة، مضيفا أن هذه الأحزاب، وجمعيات وشخصيات كثيرة روّجت وعيا بعيدا عن واقع الشباب وتحولات المجتمع التونسي، لم يلب طموحات الشباب، وتحفّزه نحو التغيير وانتظاراته من الثورة وشعاراتها، كما لم يقدم بدائل أخرى عن ثقافة العنف واليأس والإقصاء والتهميش، ما رفع في نسبة العزوف والمشاركة.
ويجمع محللون على أن السياسيين في الحكم والمعارضة لم يطوروا الآليات المعتمدة في منظومة التواصل مع الشباب، كما لم تولِ مراكز البحث والجامعات ودوائر صناعة الرأي اهتماما جادّا لملف الشباب وقضاياه. ولعل أبرز نتائج ذلك ارتفاع نسبة الهجرة، بشقيها المنظم والهامشي، وانتشار مظاهر العنف والجريمة في أوساط الشباب. وظلت رؤاهم تقليدية مقتصرة على خطاب انتخابي براغماتي، موجه، في جزئه الأكبر، إلى كبار السن والمهمشين وذوي الاحتياجات المعيشية المباشرة.
يبحث الشباب اليوم عبثا عن ذاته المعنوية والاعتبارية، وعن قوة اعتراف في المؤسسات 
الاجتماعية، فهو يعاني من انسداد الأفق، وبالتالي عما يعوّضه عن واقعه. ولذلك لا يتردّد في اختيار الهجرة السرية، أو المخدرات، وصولا إلى استقطابه من شبكات الإرهاب التي يجد فيها الأموال والوعد بالجنة والجنس والتضامن والهوياتية وغيرها.. وقد تكون "وفرت له هذه التنظيمات الأمان والإحساس بالقيمة، وقدمت له إجابات لقضايا وتساؤلات وانشغالات لطالما طرحها".
ومن أهم المعطيات الأخرى أن قادمين جددا سيكون لهم شأنٌ في نتائج الانتخابات، فقد تواصل صعود أطراف جديدة في المشهد السياسي التونسي، أبرزته استطلاعات الرأي، ما سيكون له تأثير حتمي على تموقع الأحزاب التقليدية في الحكم والمعارضة في البرلمان الجديد. وسوف تتراجع مكانة الأطراف السياسية الكلاسيكية التي تعود عليها التونسيون طيلة السنوات الماضية، كما أفادت خمسة استطلاعات رأي أجرتها "سيغما كونساي" منذ ثلاثة أشهر، إلى تعزيز اتجاه واحد لفائدة أسماء بعينها للرئاسية وأحزاب بعينها أيضا بالنسبة للتشريعية، منها نبيل القروي وقيس سعيد ويوسف الشاهد وعبير موسي والمنصف المرزوقي، وأحزاب جديدة، قلب تونس والحزب الدستوري الحر وتحيا تونس وغيرها. وقد سجلت هذه الاستطلاعات تراجع الأحزاب الكلاسيكية، النهضة ونداء تونس والجبهة الشعبية وآفاق تونس وغيرها. هل ستتغير هذه النوايا، أم سيكون للناخبين رأي آخر يوم الاقتراع؟
ذلك تكهنٌ صعبٌ للغاية، فقد عُرف الناخب التونسي بمزاجيته التي قد تتغير من لحظة إلى 
أخرى، ولا تولي اهتماما لبرامج الأحزاب ورؤاها وخياراتها التنموية، بقدر ما تتعلق بالأشخاص، ومدى تحقيق المنافع العاجلة. كما أن بعض الممارسات الرسمية تجاه بعض الشخصيات الجديدة الصاعدة زادت في شعبيتها لدى الناخب التقليدي، إذ جعلت منها "ضحايا" جلبت لها تعاطفا واسعا. وترى أوساط سياسية ودبلوماسية محايدة أن الناخب الجديد قد يمارس تصويتا عقابيا، مردّه فشل الأحزاب الحاكمة في تحقيق انتظارات الناس وعدم الوفاء بالوعود الانتخابية في 2011 و2014، إذ انشغلت بصراعاتها الداخلية وحساباتها الضيقة، على حساب خدمة الشأن العام. ولذلك قد يجد الناخب يوم الاقتراع نفسه مدفوعا، من حيث لا يدري، إلى التصويت لأطراف جديدة، قد يرى فيها القدرة على تغيير الواقع، وتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
مخاوف عديدة ومؤشرات حيرة هي إذن أبرز معالم المشهد الانتخابي التونسي، فأي المآلات سيكشف عنها هذا السباق؟ وهل ستستطيع الأحزاب التقليدية في الحكم والمعارضة تعديل صورتها في المخيال الجمعي، والخريطة العاطفية الانتخابية، أم أن صعود الشخصيات المفاجئة والأحزاب الجديدة سيتأكد في الموعدين المقبلين للانتخابات التشريعية والرئاسية؟ الأهم من ذلك كله أن يظل تكريس الممارسة الديمقراطية والمحافظة على مسار الانتقال الديمقراطي الهدف الأسمى، بما يحقق نجاحا جديدا للتجربة الديمقراطية التونسية الفتية.
35FE487F-4A9A-4B25-8DF9-AF430105714E
35FE487F-4A9A-4B25-8DF9-AF430105714E
محمد أحمد القابسي

كاتب وأكاديمي وشاعر تونسي

محمد أحمد القابسي