سيرك محاسن للنحو والصرف

سيرك محاسن للنحو والصرف

18 يوليو 2019
+ الخط -
في لحظات خيبة الأمم، لا يتبقى في ذاكرة نخبتها إلا سقط متاع الماضي ونكده وجدله. وغالبا ما يكون هذا (السقط) من مخلفات قرون مضت، يتم استرجاعها للشهرة تارة، أو على سبيل التربّح، ومرات للخيبة، وخصوصا بعدما أغلقت السلطة حاليا كل أبواب السياسة وشبابيكها، وفتحت سجونها لكل المختلفين معها من كل التيارات، فلماذا لا تلعب فاطمة ناعوت "الحجلة"، والسلطة ترعاها، وتدخلها حتى أعرق كنيسة في الشرق عنوة، أَم علّ فاطمة قد شاغلت الحرّاس ليلا، وقفزت بصالونها "بطائرة شعرية مسيّرة"، وأخذت معها المطرب سمير الإسكندراني إلى داخل الكنيسة القبطية، كي يغني لأقباط مصر بعضا من موسيقاه الروحية. بعد ذلك كله، لماذا نستغرب بشدة على المطربة الاستعراضية، سما المصري، بعدما كانت تقفز من لجنة انتخابية، في انتخابات الرئاسة، إلى أخرى في الجيزة من فوق موتوسيكل، ومن حولها الجماهير، ثم دخلت بكلبها وخيلها ورجْلها وكامل بضاعتها إلى لجنة انتخابات للموافقة على تغيير الدستور، كي تدلي بصوتها، ثم ظهرت أخيرا بعلم مصر والشورت، بعدما أفرغ لها الأمن ربع مدرج كامل في استاد القاهرة في مباراة مصر وجنوب أفريقيا، كي تؤدي فيه نِمْرتها بكل أريحية، بتصوير فائق الجودة بالطبع، وفي نهاية اللقطة أخرجت لسانها.
ولماذا نستغرب من بلطجي، وهو صبري نخنوخ، جيء به من بيروت، خصيصا لإيهام الناس بأن المجلس العسكري يحاكم البلطجية انتصارا للثورة، وجلس في القفص في حركاتٍ تمثيليةٍ، مع تغطية لحظة بلحظة من ريهام سعيد (مذيعة النظام) مع تصوير حركات نخنوح وهمهماته وغضبه، وكأنه هو (ضحية كل الدماء)، وشهد عليه محمد البلتاجي، وأخذ نخنوخ حكما بالسجن 28 سنة، ثم أُودع بعدها البلتاجي السجن. وقال وزير الداخلية، محمد إبراهيم، وهو وزير الداخلية المسؤول "ممكن نرسل نخنوخ إلى زنزانة البلتاجي لعمل اللازم". والإشارة واضحة لأي غبي بالطبع، إلى أن أخرج السيسي نخنوخ بعفو صحي (لزوم الكيد)، وها هو نخنوح اليوم ينال "درع الشجاعة المصري من جمعية خاصة، وينشر الإعلان في الجرائد، إمعانا في كفتة النظام والمكيدة للعوازل، بعدما صاروا في السجون.
ومن غير المستبعد أيضا أن يخرج علينا الشيخ علي بهلول بقلنسوة من بلاد الشيشان، وعصا أبنوس من كينيا، وبُردة يمانية من وبر، وبعد أن يتنحنح، متعتعا بلذةٍ في بحار الفقه وذخائر الجفريات، يعلن أنه لماذا، في عالم الغيب، لا تكون الممثلة ليلى ظاظا قد حجزت مقدما مقعدها في الجنة قبل هؤلاء السفلة؟ وقد يستاء الشيخ أحمد حجر من فعلة استبعاده الناقصة من لجنة الفتوى، وهو يجلس بجوار "نصبة سمك الشيخ ميزو"، وأمامه صحّارة من خشب الصندل، يبيع فيها البهارات هو الآخر، ولكن فجأة يتم الصلح بينه وبين لجنة الفتوى أمام الكاميرا، ويتبرّع بصحّارة البهارات، كلها للفقراء، ثم يعود إلى العمامة، وصحبة العلم والدين. .. فهل بعد ذلك يكون أي كلام لعماد الدين أديب محل إثارة للعجب، وخصوصا حينما يقول، في عنوان مقاله المنشور في 10 يوليو/تموز 2019، وهو في كامل قواه العقلية، وبلا أي شعرة في دماغه: "صفقة القرن ما بين قطر وأميركا"، وأكمل عماد، مؤكّدا فكرته بحرارة قائلا: "جذب واشنطن ناحية محور قطر – تركيا".. كده مرة واحدة والله، قطر سحبت واشنطن من جلابيتها عنوة، وذلك كما تُملي عليه عبقريته الاستراتيجية كي تكون في مقابل "محور مصر السعودية الإمارات".. فهل يحتاج أي سيرك في العالم كله إلى علماء أو شعراء أو بلطجية أو استراتيجيين من سيرك الست محاسن، حتى بلا مقابل؟