سورية.. الهمجية الروسية وحملة الأمعاء الخاوية

سورية.. الهمجية الروسية وحملة الأمعاء الخاوية

18 يوليو 2019
+ الخط -
منذ استدعت إيران روسيا لتنقذها من انهيارها وانهيار النظام في سورية في سبتمبر/ أيلول 2015، والاحتلال الروسي لا يتورّع عن ارتكاب كل الجرائم، ويستهدف بشكل رئيسي الشعب الواقع تحت سيطرة الفصائل، وتدمير البنية التحتية من مدارس ومشاف وبيوت ومساجد وغيرها؛ وعكس ذلك، فإن عملياتها ضد الفصائل المتشدّدة، سلفية أم جهادية، نادرة الحدوث واستثنائية، وتستهدف شخصيات بعينها، بما يبقيها، ويمد من نفوذها، وربما لولا وجود قرار دولي بإنهاء تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) لظل الأخير يبني خلافته ودولته الإسلامية، وبإشراف كل من أميركا وبوتين والمرشد الإيراني خامنئي. 
منذ أكثر من شهرين، وروسيا تحاول استعادة شمال حماة وإدلب وإنهاء المنطقة الأخيرة من خفض التصعيد؛ فشلت كل تشكيلاتها السورية في ذلك، وفشل الروس أنفسهم، وقبالة ذلك قَصفَ الطيران الروسي والسوري بآلاف الطلعات الجوية تلك المناطق. النتيجة أكثر من ألف قتيل، وتشرّد مليون سوري تقريباً، ودمار كبير للقرى والبلدات وحرق للمحاصيل. هذا ببساطة ما تفعله روسيا، وعلى الرغم من ذلك أضيف: لولا مساعدة كل من أميركا، المسيطرة على شمال شرق سورية، وتركيا وإيران وإسرائيل، لما استطاعت موسكو استعادة أيٍّ من مناطق خفض التصعيد!
همجية الروس هذه دفعت رئيس المجلس المحلي لحلب الحرة السابق، بريتا حاجي حسن، إلى 
إعلان الإضراب عن الطعام، ومرّ الآن قرابة شهر على ذلك، وبعده بدأ كثيرون ينضمون إلى الإضراب، وقد تنوع بين سوريين وعرب وأجانب، ولاحقاً تشكل ما يشبه "القيادة" لمتابعة "حملة الأمعاء الخاوية"، وبدأت بإصدار البيانات، والتصريحات، وأُعلن عن متحدثٍ رسميٍّ عنها، وربما تعدُّ الحملة المدنية هذه من أفضل الحملات التي تُظهر مدى وحشية الروس والنظام وهمجيتهما، ومحاولة إيقاف الدمار والقتل والإفراج عن المعتقلين، والوصول إلى حل سياسي ينهي المأساة السورية.
أثارت الحملة نقاشات سورية كثيرة، ومالت كفة أغلبيتها إلى تأييد الحملة، واقتراح أفكار لتطويرها، منها أن دلالة الإضراب رمزية، ويمكن إيقافه ومتابعة آخرين له، وبالتالي أعادت شيئاً من الروح، بعد مأساة استشهاد عبد الباسط الساروت، وشعور الناس بالخذلان العميق. الحملة تتطور يومياً، وينضم لها كثيرون، ومن دول متعددة، وهي بذلك تقترب لتصبح عالمية، وهذا يوضح أهميتها وضرورة الدقة في كل خطواتها، والانفتاح على أية مقترحات جديدة، يمكن أن تساهم في جعلها حركة عالمية قوية ومسموعة دولياً، من المثقفين والسياسيين والحكومات والمؤسسات الدولية، كمجلس الأمن وهيئات الأمم المتحدة وسواها.
الحملة مدنية الطابع، وتهدف إلى التحشيد العالمي أولاً، وهذا يعني المثقفين والجامعات والنوادي الثقافية والنقابات، وربما الأحزاب الأوروبية، وقد بدأوا بالانضمام إليها، ولكن أيضاً تستهدف السوريين في الخارج خصوصا. وعدا ما ذكرت من أشكال التضامن مع المضربين، بدأت الاعتصامات والندوات تتصاعد هنا وهناك، وهذا يعني أن هناك مساحة حقيقية للفعل، لم يتم الشغل عليها من قبل، ينتظرها السوريون وسواهم، ومن أجل تفعيل نشاطهم، وبما يُوقف تلك الهمجية وينقل سورية إلى الحل السياسي.
قلت إن الحملة مدنية، وليست سياسية، ووفق برنامج تصعيدي محدّد مسبقاً، وليست تابعة لأية مؤسسة للمعارضة (مجلس وطني، هيئة تنسيق، الائتلاف الوطني، هيئة التفاوض، و.. و.."، وقوتها وامتدادها وتطور أشكالها، والتي تجاوزت الانتماء السوري، يوضح أهميتها، وبالتالي كل محاولة لتتجاوز الطابع المدني لها يتم إفشالها وإضعاف أهمية الالتفاف حولها، وكذلك كل إدارة غير نوعية لها سيُضعفها بالضرورة، وبالتالي يجب أن تستقطب أشخاصاً وفاعلين غير إشكاليين، وفاعلين ومؤثرين، ولهم قيمة معنوية، وكذلك طاقات شبابية تتميز بالروية والهدوء والتعقل.
التيار الرافض للحملة، أو المنتقد لها، ينطلق من هامشية دورها مما يحدث على الأرض، وقلة
 مردوديتها إزاء الهمجية. وطبعاً لن نعدم أشخاصاً يشكّكون في امتناع وإضراب بعض عن الطعام، وهذا ما يؤسّس لإضعاف مصداقيتها بشكل كبير، ولو وجد بعض المتسلقين على الحملة والكذبة بخصوص الإضراب عن الطعام، فسيكون الأمر كارثياً على مستقبلها.
هنا نطرح قضية رمزيتها وقدرتها على إثارة العالم؛ تتأتى رمزيتها من الامتناع عن الطعام، وكونها أبدعت سياسة انتقال الإضراب من شخص إلى شخص آخر، حيث يتوقف الأول لأسباب متعدّدة، ويتابع آخر وينضم آخرون وهكذا، وباعتبارها تستقطب الإعلام وفعالياتٍ كثيرة، فإنها تستقطب بالتأكيد المتسلقين والانتهازيين من السوريين وسواهم إليها، وبالتالي يقع على قيادة الحملة متابعة كل تطوّراتها السلبية والإيجابية، وتشكيل لجانٍ متعددة للإشراف على نشاطاتها. وأقول ذلك لأن فكرة الإضراب جديدة على السوريين. ومن هنا، يجب إنهاء كل عمل فردي، أو شللي، يحاول السيطرة على الحملة ونشاطاتها، وكذلك رفض كل شكلٍ من التجيير لها لصالح مؤسسات المعارضة وتشكيلاتها الفاشلة بامتياز.
هناك عائقٌ كبير أمام الحملة، ليس فقط ما ذكر أعلاه من الفردية والشللية، حيث ضعف التنسيق بين السوريين، والرؤية الضيقة للوقائع والمتغيرات، والتي لم يتجاوزوها على الرغم من كل المآسي. الحملة والواقع السوري يقتضيان أشكالاً جديدة من التفعيل والنشاطات والتواصل، وتغيير المسؤولين والمتحدثين عنها، وطرد المستقلين والانتهازيين، ووضع قواعد 
للنشاطات، والانفتاح، في الوقت ذاته، على كل مبادرة جديدة، تنسجم مع أهداف الحملة. الحملة حديثة الولادة ولديها كل يوم فاعلية جديدة، وبالتالي هي تدريب للسوريين على العمل، المدني والثوري الجماعي، والمنفتح على مؤسسات وفعاليات غير سورية كذلك، وهذا جديد كليا، حيث كان السوريون يخشون المشاركات الفوق وطنية، وليست لديهم أية تجارب إقليمية أو دولية، وهذا خصوصا بعد تأسيس الدولة الأمنية مع الحركة التصحيحية، حيث بداية تأسيس الدولة الشمولية، وتغييب كل شكل للعمل المدني والسياسي خارج الأطر الأمنية؛ وأقول الأمنية، لأنه لا قيمة لحزب البعث، ولا اتحاد الطلبة، أو شبيبة الثورة، وكذلك لكل أحزاب الجبهة. قصدت من ذلك كله أنه ليست لدى السوريين تراكمات في الفعل المدني أو السياسي وسواه، وهذا يعني إمكانية الانهيار المجتمعي أو، وبمصطلح الطيب تيزيني، الحطام العام.
انتقدَ رسام الكاريكاتير العالمي المعارض، علي فرزات، الحملة، وقلّل من أهميتها. وعلى الرغم من خطأ موقفه هذا، فإن ردود الفعل كانت كارثية، وكفّرته وشيطنته. وهذا يعني أننا لم نتجاوز الفعل ورد الفعل، أي البافلوفية المحضة. الحملة مهمة، ويمكن أن تتطوّر بشكل كبير، ولكن ذلك يتطلب تجاوز قضايا كثيرة، وقد حاول هذا المقال مناقشتها.