لماذا يخشى شي هونغ كونغ؟

لماذا يخشى شي هونغ كونغ؟

17 يوليو 2019

مسيرة في هونغ كونغ تطالب بوقف العنف ضد المحتجين(14/7/2019/Getty)

+ الخط -
لا شيء يؤرق الرئيس الصيني شي جين بينغ هذه الأيام، أكثر من حركة الاحتجاجات المستمرة في هونغ كونغ منذ أسابيع. وعلى الرغم من خطورة الحرب التجارية التي يشنّها عليه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والتي باتت تمثل تهديداً جدّياً للاقتصاد الصيني، وتوشك أن تدخله في حالة ركود، بعد أن انخفض النمو إلى 6,2 للمرة الأولى منذ عام 1991، إلا أن هونغ كونغ تبقى بلا منازع مصدر قلق شي، الأول في هذه المرحلة.
بدأت احتجاجات هونغ كونغ (جنوب الصين ومساحتها 1100 كم مربع تقريباً)، رد فعل على محاولات بكين المتزايدة تعزيز قبضتها على المقاطعة التي تمتاز بشكل من الحكم الذاتي، حسب الاتفاق الذي أعادتها بموجبه بريطانيا إلى السيادة الصينية عام 1997. ويضمن الاتفاق الذي يمتد خمسين عاماً، وينتهي العمل به عام 2047، استمرار النظام السياسي - الاقتصادي في المقاطعة (رأسمالي ليبرالي) تحت السيادة الصينية، في إطار ما تسمى سياسة "بلد واحد ونظامين".
منذ وصول شي إلى الحكم عام 2013، تزايدت محاولات الصين تجريد المقاطعة من امتيازاتها، فحاولت الحد من الحريات العامة فيها، وخصوصاً حرية الإعلام والتعبير، وتغيير نظامها القضائي المستقل، وجاءت أخيراً هذه المحاولات مطلع هذا العام (2019) عندما ضغطت بكين على رئيسة الإقليم كاري لام، المعينة من الحكومة المركزية، لتمرير تشريعٍ يسمح بتسليم مطلوبين للسلطات الصينية، خطوة أولى نحو تطبيق النظام القضائي الصيني في المقاطعة. ولكن بكين فوجئت بحجم المعارضة الشعبية التي واجهتها الخطوة، ففي 16 الشهر الماضي (يونيو/ حزيران)، نزلت المقاطعة عن بكرة أبيها، في أكبر تظاهرة يشهدها العالم نسبة لعدد السكان (قدر عدد المتظاهرين بمليونين، أي أكثر قليلاً من ربع السكان، البالغ عددهم 7,5 ملايين نسمة). وقد أحدثت هذه الاحتجاجات حركة تضامن عالمية غير مسبوقة، أثارت ذعر بكين، إذ امتدت التظاهرات المؤيدة لرفض سكان هونغ كونغ تدخلات الصين في شؤونهم من سان فرانسيسكو إلى نيويورك، ولندن، وباريس، وفرنكفورت، وطوكيو، وسيدني، وتايبيه، عاصمة تايوان التي تزعم الصين أيضاً السيادة عليها.
وقد دفعت هذه الاحتجاجات حكومة هونغ كونغ إلى سحب القانون، قبل أن تضطر إلى إلغائه نهائياً، ما عدّ ضربة كبيرة لبكين التي هالتها قوة الحركة المدافعة عن الحريات العامة والحقوق المدنية في المقاطعة، وحجم التعاطف العالمي معها، وخصوصاً أنها تزامنت مع الذكرى الثلاثين لمذبحة ساحة تيانن منه في بكين، حيث سقط الآلاف، سحقتهم الدبابات، بعد احتجاجات واسعة لدعاة الديموقراطية. وتتعاظم الخشية لدى بكين من انتقال احتجاجات هونغ كونغ إلى مناطق أخرى، وخصوصاً مكاو، وهي مقاطعة صغيرة أخرى، تمتاز بوضعٍ شبيه بهونغ كونغ، بعد أن تسلمت الصين إدارتها من البرتغال عام 1999.
وتعاني الصين أصلاً من صعوباتٍ في السيطرة على بعض أقاليمها، وخصوصاً إقليم التيبت ذا الغالبية البوذية الذي ضمته عام 1951، وإقليم سينغيانغ (تركستان الشرقية) ذا الغالبية المسلمة. إذ تقاوم المنطقتان السيطرة الصينية عليهما، فيما تفرض الصين سياساتٍ قمعية فيهما، حيث تتحدّث وسائل إعلام غربية عن معسكراتٍ شبيهة بمعسكرات الاعتقال النازية في إقليم سينغيانغ.
فوق ذلك، يعتقد بعضهم أن الاستقرار الداخلي في الصين أصبح أكثر عرضةً للاهتزاز، نتيجة التفاوت الطبقي والاجتماعي الكبير بين مناطق الساحل الشرقي، حيث التركز الهائل للثروة (كما في شنغهاي) ومناطق الداخل (الريف)، حيث تغيب التنمية وينتشر الفقر على نطاق واسع.
يجري هذا بالتزامن مع حربٍ تجاريةٍ أميركية تهدد بإغلاق مصانع، وتسريح عمال في أقاليم صينية مختلفة، ما يعزّز احتمال حصول اضطرابات داخلية، وخصوصاً أن فقاعة رهن الأراضي الزراعية توشك أن تنفجر، نتيجة عجز كثيرين عن تسديد القروض المضمونة للبنوك بسندات تمليك الأراضي. وهذا يعني أن شي الذي يقدّم نفسه زعيماً حديدياً للمعسكر الأوتوقراطي، قد تترتب عليه مواجهة اختبار داخلي كبير لنظامٍ يعتقد أنه سوف ينجح في مزاوجة الرأسمالية، نظاماً اقتصادياً، مع الأوتوقراطية، قبل أن ينبري لمواجهة النظام الليبرالي العالمي وتقويضه. هونغ كونغ تمثل فصلاً مهماً من فصول هذا الاختبار.