نصرالله وسورية الإيرانية

نصرالله وسورية الإيرانية

14 يوليو 2019
+ الخط -
خلال الحوار التلفزيوني الذي أجراه الأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله، مع قناة المنار التابعة للحزب مساء الجمعة، أطلق مواقف عديدة، وكال تهديدات كثيرة، وحاول الإيحاء بأنه يكشف أسراراً للمرة الأولى على الهواء. وعلى الرغم من أن الوعيد الذي أطلقه تجاه إسرائيل احتل الحيز الأساس من اهتمام مريدي الحزب، إلا أن ما قاله في ما يخص سورية والوجود الإيراني فيها، يعد الأهم، ويجب التوقف عنده.
كعادته، ولأن المناسبة متعلقة بالذكرى الـ 13، لعدوان يوليو/ تموز 2006 الإسرائيلي على لبنان، عمد الأمين العام لحزب الله إلى اللعب على وتر المقاومة، معيداً تكرار كل التهديدات التي أطلقها ضد إسرائيل في عشرات الخطابات السابقة، ومنها "إعادة إسرائيل إلى العصر الحجري"، وتدمير البنية التحتية، وغيرها من التهديدات التي يدرك كل قارئ للسياسة أنها لا يمكن أن تتحقق، لاعتبارات كثيرة، أهمها أن إسرائيل وعدوانيتها هي سبب وجود الحزب وتشريع سلاحه في الداخل اللبناني، والذي استخدمه للسيطرة على قرار الدولة، وبالتالي فإن نهاية الدولة العبرية سيعني زوال هذا المبرر. زاد الأمين العام على ذلك متحدثاً باسم الحرس الثوري الإيراني القادر على تدمير إسرائيل، مع أننا لا ندري لماذا لم يفعل حتى الآن ما دام تحرير فلسطين والصلاة في القدس، (كما قال نصرالله) هما الغاية الأسمى. كذلك لا ندري لماذا لم يقم الحرس الثوري، أو حزب الله، بما أنهما يمتلكان هذا الكم من القوة والثقة، بعدم الرد على الغارات الإسرائيلية المتلاحقة على مواقع لإيران وحزب الله في الداخل السوري، والتي أدت إلى سقوط عشرات القتلى للجانبين، ومنهم قيادات رفيعة المستوى.
قد تكون الإجابة في ما أشار إليه نصرالله لاحقاً في ما يخص وجود إيران وحزب الله في سورية، وهو أعلن أن قواته لا تزال موجودة في كل المواقع التي كانت فيها في سورية، على عكس ما كان يُروّج سابقاً، جزم بالحرف بأن "إيران لن تخرج من سورية، لأن هذه هي رغبة القيادتين السورية والإيرانية". اللافت في المقولة هو مداها الزمني المفتوح، وليس المرتبط بالثورة السورية، أو بالأزمة التي تمر بها البلاد، وأنها في حال انتهت وانتفت الحاجة إلى "المساعدة" الإيرانية، فإن طهران قد تخرج من سورية. الأمر، بحسب ما ساقه نصرالله، أبعد من ذلك بكثير، وفي طياته إشارة إلى أن سورية كجمهورية ستكون ملحقة بالجمهورية الإسلامية في إيران، إذ دور الأخيرة، ومعها حزب الله بكل تأكيد، هو الحرص على حماية النظام السوري وتأبيد وجوده، حتى لو تحوّل إلى ما يشبه سلطة البلدية التي تدير المناطق التي تسيطر عليها، وهو واقع النظام السوري حالياً، إذا إنه لا يمتلك أي قرار استراتيجي في ما يخص الوضع في البلاد، وكل ما يتحضر لمستقبل سورية، أو إنهاء الأزمة فيها، يجري طبخه بين اللاعبين الدوليين من دون أخذ رأي النظام.
للحديث عن البقاء الإيراني في سورية ما يؤكده على أرض الواقع، مع تكاثر المراكز الإيرانية وعمليات الشراء في بعض المناطق السورية، وخصوصاً في دمشق، إضافة إلى محاولات تغيير التركيبة المذهبية في البلاد. ويؤكد هذا كله أن الإيرانيين، ومعهم المليشيات المرافقة، لم يأتوا كي يغادروا، بل للاستقرار.
غير أن أمور السياسة الدولية، وخصوصاً في سورية حالياً، لا تجري بحسب ما يرغب النظام الإيراني أو النظام السوري، فهناك لاعبون أكبر موجودون، ولهم حساباتهم الكثيرة التي تتناقض مع الحسابات الإيرانية، حتى لو التقت مرحلياً. الحديث طبعا عن الدور الروسي في سورية، والذي حاول نصر الله إغفاله، أو الإشارة إلى أنه منسجم تماماً مع الدور الإيراني، وهو الأمر الذي لا يمكن تصديقه، ولا أظن أن إيران وحزب الله يصدّقانه أيضاً، إلا إذا كانت حماية إسرائيل، والتي تجاهر روسيا بأنها أحد أهداف وجودها في سورية، باتت أمراً مشتركاً بين الأطراف الثلاثة الفاعلة على الأرض السورية.
حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب رئيس تحرير "العربي الجديد"، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".