انفتاح أميركي مفاجئ على الفلسطينيين

انفتاح أميركي مفاجئ على الفلسطينيين

13 يوليو 2019
+ الخط -
نفى مسؤولون فلسطينيون، بينهم نبيل شعث ونبيل أبو ردينة ومجدي الخالدي، أنباء نشرتها صحيفة "إسرائيل اليوم" عن استعداد السلطة الفلسطينية لإرسال وفدٍ برئاسة مدير جهاز المخابرات، ماجد فرج، إلى واشنطن قريباً. وكانت الصحيفة المقرّبة من رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، قد ذكرت الثلاثاء، 9 يوليو/ تموز الجاري، أن اتصالات قد جرت بين مسؤولين أميركيين مقرّبين من الرئيس دونالد ترامب ومسؤولين فلسطينيين مقرّبين من الرئيس محمود عباس. وجاء النفي، في جانبٍ منه، رداً على تصريحاتٍ للقيادي في حركة حماس، موسى أبو مرزوق، اعتبر فيها أن "وجود ماجد فرج في واشنطن شكل مفاجأة لنا". كان خبر "إسرائيل اليوم" مُسيسا إلى درجة كبيرة، ويستند إلى نجاح مزعوم لورشة المنامة، وإلى ضغوط إدارة ترامب المزعوم نجاحها، و"أن هذه الضغوط أثمرت" على السلطة الفلسطينية. وكان مستغربا الحديث عن وفد برئاسة رئيس جهاز الأمن، إذ في العادة ولدى سائر الدول، لا يترأس صاحب هذا المنصب وفوداً سياسية. وليس سراً أن الاتصالات، ذات الطابع الأمني المحض، قائمة، ضمن بروتوكولات أمنية مع دول عديدة، بينها الولايات المتحدة الأميركية. أما الاتصالات ذات الطابع السياسي بين الجانبين، فهي متوقفة منذ أواخر العام 2017، بعد التسليم الأميركي بتسمية الاحتلال القدس عاصمة لدولته.
على أن الآونة الأخيرة، وبالذات بعد انفضاض ورشة المنامة، شهدت مؤشرات على رغبة واشنطن بتجديد الاتصالات مع السلطة الفلسطينية، من أوضحها المقابلة التي أجراها المبعوث، جيسون غرينبلات، مع صحيفة "الأيام" الصادرة في رام الله والمقرّبة من السلطة. وأبدى فيها المبعوث استعداد إدارة بلاده لإعادة فتح "سفارة منظمة التحرير في واشنطن شريطة عودة السلطة إلى طاولة المفاوضات". وفيما بدا أنه تراجع أميركي أولي عن المواقف العدائية تجاه شعب فلسطين وممثليه، فقد اختار غرينبلات إعادة افتتاح مكتب دبلوماسي، بدلا من التراجع
 عن أخطاء جسيمة تتعلق بالقدس المحتلة، كما قام بتحميل السلطة مسؤولية انهيار المفاوضات، متماهياً في ذلك مع الموقف الإسرائيلي. وربط الرجل بين الجانبين، الاقتصادي والسياسي، قائلا إنه "ليست هناك نية لدى ترامب، لفرض مواقفه على السلطة كي يشتري الفلسطينيين بالمال". وادّعى أنه "بدون خطة اقتصادية جدية تتضمن استثمارات ومشاريع مختلفة، لن يكون أي احتمال لاتفاق سلام ناجح"، بحسب قوله. ولمّا سئل عن القنصلية الأميركية في القدس التي تم إغلاقها، وكانت تدير الاتصالات مع السلطة الفلسطينية، أجاب أن في وسع الفلسطينيين الاتصال مباشرة مع البيت الأبيض! علما أن كل الدول يمكنها إجراء مثل هذه الاتصالات المباشرة، ولكن ذلك لا يمنع وجود هيئة دبلوماسية تنظم الاتصالات.
أما المستشار جاريد كوشنر، فكان أكثر "كرما"، حين قال إن "الرئيس دونالد ترامب معجبٌ جدا بالرئيس محمود عباس! وإنه (ترامب) مستعد للتواصل معه (عباس) في الوقت المناسب، بخصوص اقتراح أميركي للسلام". وأوضح كوشنر، في تصريحاته التي نشرت يوم الثالث من يوليو/ تموز الجاري، أن "خطة السلام الأميركية تقع بين مبادرة السلام العربية والموقف الإسرائيلي". وهي من المرّات النادرة التي يأتي فيها مسؤولون في إدارة ترامب على ذكر مبادرة السلام العربية، وقد جاء ذكرها مقترنا بالمساومة عليها، وتخفيض سقفها إلى نصف المسافة!
هاتان هما الإشارتان اللتان ظهرتا في الأسبوعين الماضيين من مسؤولين أميركيين، بشأن الرغبة في تجديد التواصل مع الجانب الفلسطيني. وقد التقطهما محرّر الصحيفة الإسرائيلية، دانييل سيريوتي، وقلبهما رأسا على عقب، بالادّعاء برغبة أو استعداد أو حتى مبادرة فلسطينية لتجديد التواصل، فقد عزّ على المحرر الليكودي أن تأتي المبادرة في هذا الاتجاه من واشنطن، تماما كما عزّ على مسؤولين أميركيين الاعتراف بفشل ورشة المنامة، بفضل المقاطعة الفلسطينية الرسمية للورشة (ظهرت بعدئذ مؤشرات مقلقة، حين سارع الجانب الفلسطيني لإخلاء سبيل رجل أعمال أو أكثر بعد توقيفهم لدى عودتهم إلى الضفة الغربية، ممن شاركوا بصورة فردية في ورشة الكلام المخادع).
وحصيلة المسألة أن الجانب الأميركي يتوجس من إخفاق خطته، بعد طول تأجيل لإعلانها، 
ويدرك، بصورة ما، أنها عديمة التوازن، وتلحق إجحافا شديدا وجوهرياً بالحقوق الفلسطينية، ما سيثير رفضا عارما عليها، لن يمكّن حتى الأطراف العربية القابلة ضمناً بها من تأييدها والوقوف إلى جانب أصحابها. وهذا ما يفسر اللين الأميركي المفاجئ والدبلوماسية الناعمة التي اتسمت بها تصريحات كوشنر وغرينبلات، بعد توطّد القناعة أن الخطة لن تكون قابلة للتسويق والتمرير، مع الاعتراض الفلسطيني، جملة وتفصيلا، على فحواها القائم على تكريس الاحتلال وشرعنته، ومكافأة المحتلين. ومن هنا تأتي الرغبة الأميركية في إجراء اتصالاتٍ بغرض المساومة والمقايضة.
وفي حال زحزحة المواقف بجهودٍ عربية (أردنية أساسا)، فقد تتجدّد الاتصالات على مستويات ما بين الجانبين، الأميركي والفلسطيني، مع وجود "شعرة معاوية" متمثلة في الاتصالات الأمنية، غير أن ذلك لا يبدو مرجحاً مع تأثير مستشارين ومقرّبين لترامب، ذوي نزعة ليكودية، يضعون مصلحة الاحتلال فوق مصالح بلادهم، ففي أواخر يونيو/حزيران الماضي، كان مستشار الأمن القومي، جون بولتون، يطوف مع نتنياهو في منطقة الأغوار، ويقر بأهمية الأغوار الفلسطينية لأمن الاحتلال الإسرائيلي! فيما كان مضيفه يناشده بذل جهوده مع الرئيس ترامب للاعتراف بالأغوار تحت سيادة الاحتلال، أسوة بالقدس وبالجولان السوري. وإذا ما تم انتزاع مثل هذا الموقف، فلن تكون هناك حاجة لصفقة القرن، ولا لرفضها. فالمطلوب عدم التعامل معها، وتجنيد الجهود، بدلا من ذلك، للكفاح ضد الخطوات التي اتخذت بحق القدس وشرعنة الاستيطان، وهي خطواتٌ تنسف المواقف الأميركية على مدى ستة عقود.