نعم... لم يكن أوباما عادلاً مع تركيا

نعم... لم يكن أوباما عادلاً مع تركيا

12 يوليو 2019
+ الخط -
قال الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في أثناء لقائه نظيره التركي، رجب طيب أردوغان، على هامش قمة مجموعة العشرين في اليابان، نهاية يونيو/ حزيران الماضي، معلقاً على مسألة شراء تركيا منظومة أس 400 الروسية، إن سلفه باراك أوباما لم يكن عادلاً مع تركيا، ورفض بيعها منظومة باتريوت المضادة للصواريخ، ما اضطرها إلى البحث عن حلول أخرى. 
ما قاله ترامب صحيح، وإن كان الغرض من كلامه ذمّ سلفه، أو التمهيد لتسوية محتملة بين واشنطن وأنقرة، فإن أوباما لم يكن عادلاً فعلاً مع تركيا بالمجمل، وليس فقط فيما يتعلق برفض بيعها منظومة باتريوت، والضغط على الحلفاء الغربيين لعدم تزويدها بأي منظوماتٍ مشابهة، إنما كذلك في القضية السورية وتداعياتها الإقليمية التي لم يُقِم فيها أوباما أي اعتبار لمصالح ومواقف الحليف التركي.
منذ عشر سنوات تقريباً، طلبت تركيا شراء منظومة باتريوت، لكن أوباما رفض، وكانت الحجّة أن حلف شمال الأطلسي (الناتو) ملزم بحماية الأجواء التركية عند الضرورة، وجرى فعلاً نشر المنظومة عبر أعضاء الحلف، ألمانيا وأميركا نفسها. ولكن مع احتدام التطورات الناجمة عن الثورة السورية، قررت ألمانيا تحديداً (نهاية 2015) سحب المنظومة بطريقة مريبة، أثارت قلق تركيا التي ألحّت في طلب الحصول عليها مرة أخرى، وهو ما قوبل أيضاً برفض أميركي غير مبرّر، وغير عادل طبعا. وعقدت تركيا، في هذه المرحلة، اتفاقا مبدئيا مع الصين، للحصول على منظومة صاروخية مشابهة، إلا أنها تعرّضت لضغوط من واشنطن و"الناتو" لإلغاء الصفقة، مع وعود بتزويدها بمنظومة أميركية، أو حتى أوروبية، من شراكة فرنسية إيطالية (يوروسام)، وهو ما لم يحدث طبعاً، على الرغم من إلغاء أنقرة الاتفاق مع الصين.
فقط في عام 2017، وبعد التأكد واليقين من رفض أوباما تزويدها بما تحتاجه، كي تحافظ 
على أمنها وسيادتها، ولا تترك أجواءها مكشوفةً، قرّرت أنقرة شراء المنظومة الروسية، أس 400، بتكلفةٍ أقل بكثير من نظيرتها الأميركية، مع تسهيلاتٍ في الدفع، وإشراك في المعرفة والتكنولوجيا والتدريب والإدارة والتشغيل أيضاً.
اعترضت إدارة أوباما بشكل خجول على الصفقة، عند إبرامها، إلا أن الحملة الأميركية تصاعدت في الشهور الأخيرة، مع اليقين من تصميم تركيا على إنجازها، تحديداً من وزارة الدفاع (البنتاغون) والكونغرس، على الرغم من أن هاتين الجهتين كانتا شاهدتين على عدم عدالة أوباما مع تركيا بشكل صارخ، ليس فقط في قصة المنظومة الصاروخية نفسها، إنما في القضية السورية أيضاً التي شهدت خلافا كبيرا بين تركيا والولايات المتحدة، تعاطت معها الأخيرة من دون أي اعتبار لمصالح حليفتها.
سورياً، لم يكن أوباما عادلاً مع تركيا، فقد تقاعس عن دعم الثورة بجدّية، للضغط على نظام الأسد وإسقاطه، بحجج وبذرائع مختلفة، على الرغم من اتضاح تطور استراتيجيته من الأسد أو نحرق سورية إلى الأسد أو نحرق المنطقة، بما فيها تركيا طبعاً، وسحب كلامه عن معاقبته، إذا ما تجاوز الخطوط الحمر، تحديداً فيما يتعلق باستخدام السلاح الكيميائي ضد المدنيين، كما رفض اقتراح تركيا في عام 2013 لإقامة منطقة آمنة في الشمال السوري تحمي المدنيين، وتشكل بقعة آمنة لهم، كما للثوار قبل ظهور تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وجبهة النصرة، لتشكيل ضغط فعلي على الأسد لإجباره على التفاوض- الرحيل- تحت ضغط القوة، وكل هذا بذريعة أنه لا يريد أن ينخرط أكثر في القضية السورية والمنطقة بشكل عام.
في العام التالي (2014)، قرّرت تركيا التحرك وحدها، لإقامة تلك المنطقة، لكن أميركا رفضت دعمها، ولو سياسياً، بينما رفضت أدواتها من جماعة فتح الله غولن في قيادة الجيش التركي تنفيذ الخطة، لأسباب وحجج عدة، منها غياب الدعم الأميركي.
ولكن بعدما رعى النظام وحلفاء إيران في العراق تمدد تنظيم داعش، وصولاً إلى معادلة الأسد أو التنظيم، انخرط أوباما أكثر في القضية السورية، ولكن من دون أي اعتبار لمصالح تركيا ومواقفها، معتمداً على إرهابيين موصوفين، ذوي أجندات انفصالية، تعتبرهم أنقرة، وحتى واشنطن نفسها، إرهابيين، على الرغم من أن الأولى استعدت دائماً لاستخدام جيشها الجرار، حسب تعبير أوباما الشهير، مع الثوار السوريين، لسحق "داعش"، ولكن من دون الاستعانة بإرهابيين، ومن دون حماية أو تقوية واستفادة نظام الأسد، وهو ما فعله أوباما حرفياً بسياسته الباردة اللئيمة، غير العادلة، التي وصفها ببلاغة السيناتور ليندسي غراهام (إبريل/ نيسان 2016)، في استجوابه قادة أوباما السياسيين العسكريين، بالمشينة والسوداء في تاريخ الولايات المتحدة.
لم يكن أوباما عادلاً مع تركيا كذلك عندما قرر الانكفاء عن المنطقة، لكن مع حفظ مصالح 
إسرائيل وأمنها، قدّم لها 37 مليار دولار، على عشر سنوات، لتعويضها عن الاتفاق النووي السيئ، والذي كان جوهره إطلاق يد إيران ومليشياتها في المنطقة، مع التزامها بالخطوط الحمر الثلاثة المرسومة أميركياً، حفظ حدود سايكس بيكو، وحماية حرية الملاحة في مضائق المنطقة وبحارها، وعدم التعرّض جدياً أو تهديد أمن إسرائيل.
فعل أوباما ذلك لعدة أسباب، منها عقاب تركيا الجديدة على تمرّدها، أو بالأحرى تبنّيها سياسة مستقلة قائمة على مصالحها، قاطعة مع سياسة تركيا القديمة التي عملت لعقود ذراعا لأميركا والناتو في المنطقة. ومنها انكفاؤه عن المنطقة، واعتبار الاتفاق النووي هدفا استراتيجيا له، بغض النظر عن التداعيات، بما فيها إطلاق يد إيران في المنطقة، من دون أي اعتبارٍ للمصالح التركية والعربية. مع الاستمرار في اعتبار أمن إسرائيل أولوية أميركية. ولذلك تم تعويضها بمبالغ ضخمة، للحفاظ على تفوقها العسكري والاستراتيجي.
ردت تركيا بالدفاع عن سيادتها ومصالحها الحيوية العليا، فأبرمت اتفاق شراء منظومة أس 400 من روسيا (2017)، وفعلياً ستتسلم قطعها الأولى خلال شهر تموز/يوليو الحالي. وكانت قد أفشلت انقلاب يوليو/تموز 2016 المدعوم أميركيا، إذ قال جون كيري، وزير خارجية أوباما، إنه لم ينفذ كما يجب. ثم فرضت نفسها لاعباً مركزياً في القضية السورية، دفاعاً عن مصالحها المتساوقة مع مصالح الشعب السوري وثورته، ومطالبه العادلة، بتنفيذ عملية درع الفرات (2016)، على الرغم من رفض واشنطن، وأجبرتها على الخضوع للأمر الواقع، ثم عملية غصن الزيتون (2018)، موجهةً ضربةً قاصمة للفكرة الانفصالية التي تدعمها واشنطن لحفظ مصالحها، بعيداً عن مصالح من يفترض أنها حليفتها، وتملك ثاني أكبر جيش في حلف الناتو، بعد أميركا نفسها.