البحرين وفلسطين وهذا الكتاب

البحرين وفلسطين وهذا الكتاب

02 يوليو 2019
+ الخط -
رحم الله زميلنا، الصحافي والباحث البحريني، خالد البسّام، وقد توفي عن 59 عاما قبل ثلاث سنوات. كان مولعا بالتوثيق والتقصّي الدؤوب، وهو المجدّ في البحث في تاريخ منطقة الخليج، سيما بلاده البحرين. ترك نحو خمسة عشر مؤلفا، منها ما هو شديدُ الأهمية في التعريف بمقاطع مهمة في تاريخ ناس الخليج وأهله، وحكايات كفاحهم المبكّر، كما "خليج الحكايات"، و"رجال في جزائر اللؤلؤ" و"القوافل"، فضلا عن مؤلفه في خمسة أجزاء عن رواد الصحافة في البحرين. وفي هذه الأيام، حيث تنبطح السلطة الحاكمة في بلاده باتجاه إسرائيل، وتساهم في تسويق مشروعٍ لتصفية القضية الفلسطينية، يحسُن أن نقرأ مجدّدا كتابه، "كلّنا فداكِ، البحرين والقضية الفلسطينية 1917 – 1948" (المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2005). وقد اختار هذا العنوان الموفق استعادةً لهتاف أهل البحرين في تظاهراتهم الساخطة إبّان إعلان قرار تقسيم فلسطين في 1947"يا فلسطين لا تخافي.. كلّنا اليوم فداكِ".
نقّب البسّام في مئات الوثائق والصحف القديمة والأرشيفات في مكتباتٍ مختصّةٍ في لندن والقاهرة، والتقى شهودا، وأفاد من مؤلفاتٍ في شؤون الخليج، ثم أنجز عمله هذا، بالغ الاستثنائية في جهده التوثيقي، غير المسبوق في موضوعه، فتتبع الكتاب التفاصيل في صلة شعب البحرين بفلسطين، منذ وعيهم المبكّر في العام 1917 لخطورة إقامة إسرائيل على أراضيها، ثم مبادراتهم لنصرة هذه القضية المقيمة في وجدانهم. واشتمل الكتاب، في هذا كله، على وثائق وملاحق مصوّرة، وعلى ثبتٍ بأسماء كثيرين كانوا فاعلين في الانتصار لفلسطين، والتبرّع لأهلها ونضالهم. ولذلك، يصلُح جهد خالد البسّام للاقتداء به في تهيئة أبحاثٍ ومؤلفاتٍ وافيةٍ عن إسهامات أهل دول الخليج لنصرة فلسطين في تلك العقود المبكّرة. وقد أوضح البسّام أنه قصد الذهاب إلى ما قبل 1948، لأن ثمّة نقصانا فادحا في الإضاءة على تلك الفترة.
زيارةٌ قصيرة غير مرتّب لها، مع والده إبّان كان طفلاً في 1964، إلى القدس من دمشق، ظلت توقظ في مدارك الصحافي والمؤرّخ المجتهد، خالد البسّام، رغبةً قويةً بإنجاز كتابه هذا، والذي يعرّفنا فيه ابتداءً بسطوة احتلال الإنكليز بلاده، وتحكّمهم في المسموح والممنوع أن يعرفه أهلها عن الجاري في فلسطين، مع الرقابة المشدّدة على البريد، ولكن هذا كله لم يمنع استشعارا مبكّرا لدى تجار اللؤلؤ في البحرين مخاطر وعد بلفور، حتى إذا دعا المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى في فلسطين في العام 1924 العرب والمسلمين إلى دعم مشاريع ترميم كبيرة في الحرم القدسي، تحتاج 150 ألف جنيه مصري، يسارع تجار البحرين وأهلوها إلى الاستجابة للنداء، فتأتي تبرعاتُهم الخامسة في ترتيب ما تم جمعه من بلدان أخرى. وفي تلك الأجواء، كانت أنديةٌ ثقافيةٌ ورياضيةٌ واجتماعيةٌ تنشأ، في غياب صحافةٍ محلية، وندرة وصول صحفٍ من الخارج، وبادرت هذه الأندية إلى التعريف بالذي كان يحدث في فلسطين والبلاد العربية.
وإبّان الإضراب الكبير في فلسطين في 1936، استجدّت وقائع أخرى، واهتمّت الحركة الإصلاحية التي ظهرت في البحرين في 1938 بقضية فلسطين. ثم يشهد العام 1939 قيام "لجنة إعانة أيتام فلسطين"، والتي كانت الشكل الممكن الذي تم انتزاعه من الإنكليز لعملٍ جمعويٍ من أجل الفلسطينيين، وفي مهرجان انطلاقتها في دار سينما جمعت اللجنة 19 ألف روبية. كما أن نادي العروبة، والذي قام في العام نفسه، نشط في حملات توعيةٍ عن القضية الفلسطينية. وكان لاستقبال بعثةٍ تعليميةٍ من سبعة مدرسين فلسطينيين في 1940، أهميته. ومع إعلان قرار التقسيم، اشتعلت تظاهراتٌ غاضبة (تمت في أثنائها اعتداءاتٌ على ممتلكات يهود البلاد)، ونشطت فعالياتٌ كثيرة في المدارس والأندية. ثم زار رئيس اللجنة العليا في فلسطين، جمال الحسيني، البحرين، وتلاه جميل بركات مندوبا عن الحاج أمين الحسيني. ومع احتلال فلسطين في 1948، تهيأ البريطانيون بإجراءاتٍ أمنيةٍ استثنائية. وقاتل بحرينيون في فلسطين، في قوةٍ شكّلها نادي الإصلاح الخليفي (إخوان مسلمون).. والتفاصيل تتتابع وتتقاطع، وترسم لوحةً شديدة البهاء عن شعبٍ مثقفٍ عروبي، متعلق قولا وفعلا بفلسطين، لم يتوقف يوما عن نصرتها، كما فعل أخيرا، وهو يزدري الورشة المعلومة .. وغيرها.

دلالات

معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.