كل هذه العنصرية في لبنان

كل هذه العنصرية في لبنان

09 يونيو 2019
+ الخط -
منذ اللحظة الأولى لتدفق أولى موجات اللجوء السوري إلى لبنان، بعد أحداث عام 2011 وثورة الشعب السوري بوجه نظامه، ارتفعت في لبنان أصوات اعترضت، في حينه، على السماح للّاجئين الفارّين من جحيم الموت الدمار بالدخول إلى لبنان، أو إقامة مخيماتٍ منظّمة لهم، أو حتى تقديم أبسط الخدمات التي تقيهم الهلاك، وهو ما أدّى إلى نشوء حالةٍ من فوضى اللجوء السوري في لبنان، حيث انتشرت أعداد كبيرة من اللاجئين في معظم المناطق، وتسرّبت غيرها إلى كل الأحياء والقرى.
وما إن استقرّ الأمر باللاجئين السوريين في أماكن تأمّنت لهم فيها الحدود الدنيا من الأمن والاستقرار والحقوق، حتى علت أصوات عنصرية، راحت تطالب بطردهم وإعادتهم إلى سورية، غير مكترثةٍ بأجواء الحرب والقتال التي كانت سائدة، وما يمكن أن يلحق بهؤلاء اللاجئين، فيما لو عادوا. بعد ذلك تطوّرت المطالبة إلى ممارسات عنصرية، حيث فُرضت قيود جائرة على اللاجئين، ومنها فرض الغرامات المالية عند تجديد بطاقات اللجوء، ومنها المضايقات الأمنية، فضلاً عن إجراءات منع اللاجئين من العمل، أو حتى التجوّل في بعض الأوقات والأماكن، أو حتى عدم إدخال أبنائهم إلى المدارس، ناهيك عن المعاناة الصحية على أبواب المستشفيات.
بعد ذلك، بدأت سياسات ترحيل اللاجئين السوريين من خلال الضغط الدائم عليهم، سواء في مخيمات منظّمة، أو في أماكن مبعثرة ومشتتة. تجلّى ذلك بحملات المداهمة المكثّفة التي حصلت في مرّات عديدة، تحت عنوان الملاحقات الأمنية لأفراد متورّطين بأعمال تصنّف "إرهابية". وقد تزامنت هذه الإجراءات مع حملات إعلامية وسياسية عملت على "شيطنة" اللجوء السوري في البلد، فراحت تحمّل أوزار أعمال الفوضى والفساد والتردّي الاقتصادي والاجتماعي والأمني وغيره للاجئين السوريين، كما راحت تحرّض عليهم، بشكل غير مسبوق أو غير معهود. وشاركت في ذلك محطات تلفزيونية وإذاعية وصحف، فضلاً عن مواقع التواصل الاجتماعي. وتولّى الحملة، بشكل أساسي وكبير، وزراء في الحكومة، ونواب كانوا في مرحلةٍ سابقة، يكنّون عداءً سافراً وكبيراً للنظام في سورية، وهم يعتبرون أنفسهم بذلك مدافعين عن حقوق مكوّنات طائفية في البلد. وقد رافقت كل تلك الحملات دعوة أمام المحافل كافة، لإعادة اللاجئين إلى سورية تحت عنوان العودة الطوعية.
تتجلى العنصرية اليوم أكثر من قبل، في إصدار أوامر بهدم كل المخيمات التي تدخل في 
تكوينها مادة الأسمنت، وقد جرى ذلك في منطقة عرسال، وتُرك اللاجئون من دون مأوى أو سقف يأويهم. والمشهد الثاني الذي تجلّت فيه العنصرية، هو الذي تابعه الجميع في مخيم كاريتاس، قرب بلدة دير الأحمر في منطقة بعلبك البقاعية، حيث عمدت البلدية إلى إنذار اللاجئين بإخلاء المخيم، وهو ما حصل تحت التهديد، ومن ثم جرى إحراق خيام عديدة في المخيم، بما حوت من أدوات وحاجات ومتاع يستخدمها اللاجئون في شأنهم اليومي، بل أجبرت لاجئاتٌ سوريات على هدم خيمتهن فوق رؤوس أبنائهن الأيتام، من دون رحمة أو شفقة أو احترام أو التزام بمعايير القانون الدولي الإنساني في مثل هذه الحالات. وما جرى أخيراً في هذا المخيم ليس عملاً منظماً من أجهزة الدولة. لقد تخطّى مسألة تنفيذ أوامر صدرت عن سلطة صاحبة قرار (بغض النظر عن صواب ذلك من عدمه)، إنما ما جرى هو نتيجة واضحة لحجم خطاب الكراهية والعنصرية والحقد، الذي يعتمده ويمارسه تيار رئيسي في البلد، بحجة الحفاظ على لبنان ومصالحه وتنوّعه وتوازنه، فيدفع نحو الكراهية والحقد الذي ترجم نفسه بهذه الطريقة الوحشية.
اللجوء السوري في لبنان اليوم في خطر. ويواجه اللاجئون السوريون مصيراً صعباً لا يقلّ خطراً عليهم من خطر الإبادة التي كان من الممكن أن تلحق بهم، لولا فرارهم من الموت المحتّم، وهذا ما يمكن أن يشكّل، مستقبلاً، خطراً على لبنان وصيغته الاجتماعية، إذا لم يُصَر إلى تدارك الموقف، ووقف خطاب العنصرية والكراهية، فضلاً عن أن منظمات حقوق الإنسان معنيّة، ومدعوّة إلى وضع حدّ لهذه العنصرية المتوحّشة.