ثورة مغدورة ورئيس شهيد

ثورة مغدورة ورئيس شهيد

01 يوليو 2019
+ الخط -
لم تكن وفاة الرئيس المغدور، محمد مرسي، مجرّد حالة عرضيّة، أو مسألة ثانويّة، في تاريخ مصر الحديث، بل كانت نتيجة طبيعيّة لتطوّر مسار ثورة يناير في مصر وثورات الربيع العربي عموماً والثورات المضادّة لها. شكّلت هذه النهاية الفاجعة صدمة لكثيرين من أبناء حلم كبير ومُحقّ بإمكانيّة التحوّل الديمقراطي في بلادنا العربيّة، وستستمرّ مفاعيلها طويلاً، ما لم تبادر القوى السياسيّة والمدنيّة لدراسة أسبابها بعيداً عن التشاؤم وروح الجنائزيّة السائدة، وباعتماد مناهج بحث وتحليل علميّة وبشكل موضوعي، يؤسس لحالة نقدّية للتجربة بكامل تفاصيلها.
شكّل التحالف بين العسكر من جهة وقوى اليسار العربي عموماً وتيّارات الإسلام السياسي السلفي من جهة ثانية الواجهة الحقيقيّة لانقسام المجتمع المصري خصوصا والعربي عموما. قوى رأسمالية غير وطنيّة متحالفة مع طبقة البرجوازيّة المتوسّطة والصغيرة أدارت حربها على المجتمع، بواسطة المؤسسة العسكريّة. تحالف يعيب على جماعة الإخوان المسلمين منهجها العقائدي، ويأخذ ذلك ذريعة لتحطيم المجتمع، بينما كان واضحاً للعلن مدى ارتباط أجندات هذا التحالف مع القوى والأنظمة الأشدّ تخلّفاً وانغلاقاً وظلاميّة في العالم العربي.
لم يكن الإخوان المسلمون في أي يومٍ قادة التغيير في المجتمعات العربيّة، بل كانوا مثل غيرهم من القوى السياسية يحاولون التموضع في إطار العمل السياسي المتاح، حسب ظروف كل بلد، ففي سورية كان مجرّد الانتماء لهذه الجماعة معاقباً عليه بموجب المرسوم التشريعي رقم 49 لعام 1980 بالإعدام، بينما كان وضع الجماعة في مصر والأردن متراوحاً ما بين المنع
 وغض البصر والسماح بالعمل، وحسب الظروف وتبدّل الأحوال والمصالح.
كان تحالف العسكر مع قوى اليسار مصلحياً، غرضه إسقاط نتائج صحوة المجتمعات العربية ومحاولة الشعوب الانطلاق مجددا في دروب الحياة الطبيعية. كان من غير المنطقي أن يعلن العسكر حربهم على الشعوب والمجتمعات الثائرة التي طالما رفعوا شعارات الدفاع عن حقوقها بالحرية والعيش الكريم والتنمية وغيرها من الشعارات البالية، ولذلك كان لا بدّ من إيجاد عدوّ واضح المعالم والكيان، عدوّ مشخّصٍ من لحم ودم، لوضعه دريئةً، يتمّ من خلالها معاقبة المجتمعات التي راودتها أنفسها بالخروج على أنظمة الحكم العسكرية الشمولية في المنطقة. من هنا كان استهداف جماعة الإخوان المسلمين عنواناً عريضاً تمّ من خلاله استهداف حالة الصحوة المجتمعيّة.
في ظلّ التصحّر السياسي والمدني الذي كانت قد فرضته أنظمة الحكم على مجتمعاتنا، كان الإخوان المسلمون أكثر الحركات السياسيّة قوّة وتنظيماً، لأسبابٍ عديدة، قد يكون أهمّها الطبيعة العقديّة القائمة على الالتزام بنهج الجماعة الذي يقرّره، بشكل أو بآخر، فكر المرشد المؤسس. لهذا استطاعت تلك الجماعة أن تتصدّر واجهة الحراك الشعبي في جميع دول الربيع العربي تقريباً. لا يعني هذا بالضرورة أنّ فكر الجماعة يلقى القبول من جميع القوى الشبابيّة الثائرة، ولا من جميع الشرائح الاجتماعية، لكنّه يؤكّد أنها كانت ذات قاعدة شعبيّة لا بأس بها، وأنّها الأكثر قدرة على الحركة والمبادرة والتصدّر.
كان من الأسباب التي ساعدت على نجاح الحركة في تصدّر المشهد السياسي خلال سنوات الربيع العربي الأولى افتقار حركات الشباب للخبرة التنظيميّة من جهة وضعف أحزاب اليسار العربي التقليديّة التي عجزت عن قيادة هذا الحراك الشعبي وعن تمثيل الشباب الثائر، وتكثيف مطالبه من خلال برنامج سياسي واضح المعالم والخطوات من جهة ثانية. خشيت حركات اليسار العربي، كما الحركة السلفيّة، من نجاح حركة الإخوان المسلمين بتحقيق عمليّة الانتقال من الحكم العسكري الشمولي إلى شكلٍ جديدٍ من الحكم، كان من الواضح أنّه يتّجه إلى أن يكون مدنياً يقوم على احترام مبدأ التداول السلمي للسلطة. ولهذا تحالفت في مشهد غرائبيّ عجائبي مع العسكر لتحطيم هذا التحوّل المُحتمل.
كانت انتهازيّة اليسار واليمين العربيّين على حدّ سواء مثالاً يُضرب للأجيال القادمة عن الفراغ والتشوّه والتفاهة والانحطاط، ليس السياسي فحسب، ولكن الفكري والأخلاقي أيضاً. لم تستطع 
هذه القوى أن تتحمّل فكرة خروج الثورات من خارج عباءتها، ولا فكرة أن يقود غيرها هذه الثورات. ولذلك آثرت أن تُشرعن مسألة تحطيمها عبر شيطنة حركة الإخوان المسلمين وعبر اتهامها بكلّ موبقات الأرض الممكن تصوّرها.
هكذا إذن، على مجتمعاتنا وشعوبنا أن تُعيد معايشة مأساتها مع الطُغم الحاكمة مجدّداً، ولكن هذه المرّة تحت شعار مكافحة الإرهاب، بدل شعارات الاستقلال والتنمية ومقاومة الإمبريالية والصهيونية، بل قد يكون من الأصحّ القول بالتعاون الواضح بين هذه القوى الخارجيّة وقوى الاستبداد الداخلية.
كسر إرادة هذه الشعوب والمجتمعات بالتحرّر من قيود العبوديّة التي من المُفترض أن يكون قد عفا عليها الزمن، بات أمراً منشوداً ليس من أنظمة الحكم العربيّة فقط، بل من إسرائيل، وأنظمة كثيرة كانت تدّعي وصلاً بليلى. إنها ثورات مغدورة تحطّمت فيها آمال الشعوب المسحوقة بالتغيير، وتمثّلت أعنف فصولها وأشدّها ألماً باستشهاد أول رئيس منتخب بشكل ديمقراطي وحرّ، في مصر.
56B14126-91C4-4A14-8239-0C25A8235D5D
56B14126-91C4-4A14-8239-0C25A8235D5D
حسان الأسود

كاتب ومحامٍ وحقوقي سوري، المديرالسابق للهيئة السورية للعدالة والمحاسبة، مقيم في ألمانيا.

حسان الأسود