هل تتفكّك الجبهة الشعبية في تونس؟

هل تتفكّك الجبهة الشعبية في تونس؟

04 يونيو 2019

مرشحون للجبهة الشعبية في انتخابات 2014 النيابية (2/4/2014/Getty)

+ الخط -
جاء إعلان النواب التسعة المنتمين إلى الجبهة الشعبية (في تونس) استقالتهم من كتلتهم داخل البرلمان، ليكون مؤشّرا جديدا على مدى تصاعد الأزمة داخل هذا الائتلاف الحزبي اليساري. وتضمن البيان الصادر عن النواب المعنيين توضيحا مؤدّاه أن قرار الاستقالة "كان ترجمة لواقع متأزم فرضته بعض مكونات الجبهة التي سعت إلى الاستحواذ عليها بإصرارها على إقصاء مكونات ومناضلين منها". وهذا الإقرار بعمق الأزمة التي تعيشها الجبهة الشعبية اليوم يجد جذوره في لحظات تشكلها الأولى، على الرغم من أنها بدت، للوهلة الأولى، مشروعا سياسيا واعدا يمكنه منازلة قوى اليمين المهيمنة على المشهد، عندما تمكّنت الجبهة من تقديم قوائم موحدة في انتخابات أكتوبر/ تشرين الأول 2014 والوقوف وراء مرشح رئاسي واحد، هو الناطق باسم الجبهة، حمّة الهمامي. وحققت نتائج مقبولة نسبيا، مستفيدة من القانون الانتخابي التونسي القائم على أساس "أكبر البقايا" لتدخل مجلس النواب بتمثيلية تضم 15 نائبا. ولكن حالة التعبئة والتحريض التي شملت العناصر المنتمية للجبهة طوال حكم الترويكا ومكّنتها من بناء إطارها التنظيمي في مرحلة أولى وخوض الانتخابات بصورة موحدة في مرحلة ثانية بدأت تخفت تدريجيا، خصوصا في ظل الفشل التنظيمي والعجز عن بناء هياكل على مستوى الجهات بل والعجز عن إدارة البنية القيادية للجبهة التي ظهرت وكأنها بصدد نقل تجارب الأحزاب الشيوعية ذات الزعيم الواحد ولكن بصورة جبهوية. 
والجبهة الشعبية ائتلاف حزبي تشكل منذ 2012 ويضم عددا من القوى اليسارية والقومية،
 هي حزبي العمال والوطنيين الديمقراطيين الموحد (الوطد) والتيار الشعبي وحركة البعث وحزب الطليعة العربي الاشتراكي والوطن الاشتراكي والحزب الشعبي للحرية والتقدم والقطب الديمقراطي. ويمثل كل من حزبي العمال و"الوطد" الموحد القوتين السياسيتين الرئيسيتين في الائتلاف وغالباً ما يتنازعان النفوذ داخل الائتلاف.
تدريجيا بدأت تطفو على السطح الخلافات المتعلقة بالتداول على المواقع القيادية في الجبهة والتي يستأثر بها (في الغالب) حزب العمال، وكان المنعطف عندما قرر حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد (الوطد) إثر انعقاد الدورة الثامنة عشرة للجنته المركزية (مارس/ آذار الماضي) ترشيح المنجي الرحوي للمنافسة في الانتخابات الرئاسية القادمة من دون استشارة بقية حلفائه في الائتلاف الحزبي الذي يشارك فيه، وقد برر أمين عام الحزب هذا الموقف من خلال التأكيد "أن الوطد حزب له قراره السيادي واختار مرشحه''. وتابع ''كل من يتحدث عن تفاجؤه بترشيح منجي الرحوي ليس من حقه أن يتفاجأ.. السؤال المحوري اليوم هو كيف نحسم في تعدد الترشحات، هذا هو الواقع الجديد للجبهة''.
في ظل حالة التنازع بين القيادات والتصريحات المتبادلة، جاء اجتماع مجلس أمناء الجبهة الشعبية بتاريخ 19 مارس الماضي ليعلن أن أغلبية القيادات قد اتفقت على ترشيح الرفيق حمّة الهمامي للانتخابات الرئاسية القادمة، ولم يكن الموقف ناجما عن حالة توافق تامة بين جميع قيادات الجبهة حيث اعترض حزب الوطد الموحد على هذا الخيار فيما احتفظ حزب القطب الديمقراطي بصوته داعيا إلى مزيد المشاورات. وجاءت الاستقالات الأخيرة للنواب والتي ضمت ممثلي حزب الوطنيين الموحد (الوطد) وأيضا نواب منشقّين عن حزب العمال ممن يرفضون استمرار هيمنة جناح حمّة الهمامي على الحزب مطالبين بإعادة هيكلة التنظيم بما يضمن التداول على المواقع القيادية الأساسية.
ومن الواضح أن هذا النقد يحيل إلى مشكلتين: أولاهما العجز عن تحويل الجبهة إلى تنظيم 
حقيقي فاعل ومهيكل من جهة وحالة التصلب الإيديولوجي والخطاب المتكلس الذي تقدمه للناس على لسان ناطقها الرسمي حمة الهمامي من جهة أخرى. وهو ما يعني أن الأزمة الهيكلية لا تتعلق بالجبهة ذاتها بقدر ما ترتبط ببنية الأحزاب التي تتشكل منها. فهي أزمة مركّبة تتعلق بكيفية إدارة الائتلاف وفي الوقت نفسه معالجة الأزمات الداخلية التي تعانيها أحزاب الجبهة وعلى رأسها حزب العمال، وإذا كان عامل الزعاماتية مما لا يمكن نفيه أو إبعاده ضمن عوامل الصراع المتعددة التي تكمن في صلب بنية الجبهة الشعبية، غير أن هذا لا ينفي حقيقة أنها فشلت في إعادة تطوير خطابها ومجاوزة إرثها الإيديولوجي المتكلس ورؤيتها للمشهد السياسي من خلال ثنائية الصراع يسار/ نهضة، وهو أمر لم يعد مقنعا في الشارع ولا يقدم حلولا واقعية وفعلية للمشكلات اليومية للناس.
إن صراع الأجنحة داخل الجبهة الشعبية يحمل مؤشرات لتطورات مهمة في الأشهر المقبلة مع اقتراب موعد الانتخابات، وفي ظل التنازع على قائمات المرشحين وعدم الاتفاق نهائيا بخصوص المرشح الرسمي في الانتخابات الرئاسية، وهو ما يعني أن الأفق مفتوح أمام مزيد من الصراع، وفي كل الأحوال فلن يستمر التعايش بالإكراه بين حزبي العمال وحزب الوطنيين الديمقراطيين (الوطد).

دلالات

B4DD7175-6D7F-4D5A-BE47-7FF4A1811063
سمير حمدي

كاتب وباحث تونسي في الفكر السياسي، حاصل على الأستاذية في الفلسفة والعلوم الإنسانية من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس ـ تونس، نشرت مقالات ودراسات في عدة صحف ومجلات. وله كتب قيد النشر.