كم هشام عشماوي لدينا؟

كم هشام عشماوي لدينا؟

04 يونيو 2019
+ الخط -
واجهت الدولة المصرية، في تسعينيات القرن الماضي، إرهاباً واضحاً، استهدف الدولة، السياحة، الأقباط، وكانت تسنده رافعة أيديولوجية ترى الأنظمة العربية، ومنها النظام المصري، كافرة. واجهت الدولة هذا الإرهاب بكل ما لديها من إمكانات، من البندقية إلى كاميرا السينما والفيديو. كان القبض على أي إرهابي نجاحا يرحّب به الجميع. لم يكن المصريون في حاجةٍ إلى نصب شادر أفراح، ولا كانت الدولة في حاجةٍ إلى نقوط وحلوان في مقابل القبض على إرهابي، ولا لصناعة حالة من الفرح الكاذب. كان الناس يشعرون بما يقتطعه الإرهاب من رصيد حياتهم، أمنهم وأمانهم، دينهم ودنياهم، رزقهم ورزق عيالهم.
الأصوات العاقلة داخل التيار الإسلامي وقتها ساعدت الدولة المصرية. ذهب الشيخ محمد الغزالي إلى مناظرة شباب الجماعات الإسلامية في المعتقلات. ذهب محمد سليم العوا أيضا، ألف يوسف القرضاوي كتابه الصحوة الإسلامية بين الجحود والتطرّف، وهو الكتاب التي كانت تطبعه الدولة بنفسها وتوزّعه على المساجد، والذي تحولت أفكاره في ما بعد إلى مراجعات الجماعة الإسلامية. وقف الجميع أمام الإرهاب الذي اتخذ غطاءً إسلاميا حينها. كانت المعركة واضحة، الخصم واضح، أسباب مقاومته واضحة، الدوافع الأخلاقية حاضرة، لا لبس فيها، فماذا عن هشام عشماوي؟
الإجابة التي أخبر بها نفسي أن مجندا فصلوه من الخدمة، فتحوّل إلى قاتل لأصحابه و"دفعته"، هو لا شك مجرم وإرهابي يستحق العقاب، إلا أن المناقشات التي دارت حول مولد تسلم عشماوي، والتي تجاهلها إعلام "شادر الفرح" و"هاشتغات" المكايدات، و"حمد الله على السلامة يا هشام"، كانت أكثر خطورةً من تجاوزها أو المرور عليها أو وصف أصحابها بالمتعاطفين مع الإرهابيين.
مواقع التواصل شهدت جانبا من هذه المناقشات، كان أصحابها يتحرّكون تحت سيل من المزايدات لا يسمح بأن يقولوا كل ما لديهم، "الجروبات" المغلقة، وجلسات النقاش الخاصة كانت أكثر وضوحا، حيث رأى كثيرون، ممن اشتبكت معهم، أن عشماوي لا ينطبق عليه وصف إرهابي، وأن المواجهة المسلحة مع الدولة لا تختلف عما تفعله الدولة نفسها مع معارضيها. المفارقة أنه لم تكن لدى أصحاب الرأي الآخر (وأنا منهم) من حجة حقيقية على إدانة عشماوي سوى شهادة الباحث المتميز إسماعيل الإسكندراني، أول من أشار إلى عشماوي ونبه إلى عمليات إرهاب محتملة سوف يقوم بها، أي أن الدليل الوحيد على صدق رواية الدولة هو شهادة أحد المعتقلين في سجونها بتهمة الانضمام لجماعة إرهابية!
يتساءل المشكّكون في رواية الدولة: ما الذي يجعل من دم العسكري حراما، وهو الذي أراق دماء مئات في شوارع مصر وميادينها؟ ما الذي يجعل الهجوم على هذا العسكري عملاً إرهابياً، وليس قصاصاً مستحقاً، لم تفلح كل حجج التجنيد الإجباري، والعسكري الذي لا يملك من أمره شيئا، في إقناع فريقٍ من المتحاورين، وأغلبهم من غير الإسلاميين، بالرواية المعتمدة، بعضهم شبّه عشماوي بجيفارا، واتهم من يتهمه بالإرهاب بعقدة المناضل الخواجة!
أسئلة أخفّ وطأة دارت حول الحدث: لماذا لا يكون عشماوي مُنتجا عسكريا بامتياز؟ ضابط جيش تم فصله وحرمانه من امتيازاته، فتحول إلى خصمٍ لمن فصلوه، لماذا يجري تحميل الحالة على الدعشنة الدينية دون العسكرية، لماذا لا نقول بوضوح إن أحد أفراد القوات المساحة خائن، وأنه قد يكون بينهم عشرات من هشام عشماوي لديهم الاستعداد للانقلاب والخيانة، وتصفية زملائهم إذا فقدوا وظائفهم وامتيازاتهم؟!
السؤال الأكثر طرافة: لماذا لا يكون السيسي نفسه هشام عشماوي آخر، كلاهما ابن المؤسسة العسكرية، كلاهما يقتل من أجل ما يؤمن به، كلاهما يتذرّع بمبرراتٍ دينية للقتل، كلاهما متهم من قطاع كبير من الشعب المصري بالخيانة؟ هذه الأسئلة وغيرها تحمل الفارق بين دولةٍ تواجه إرهابا يعترف به الجميع، حتى أبرز المختلفين معها، وأخرى تسيء إلى مفهوم الدولة نفسه، وتفشل في أن توحد مواطنيها على روايةٍ واحدة، حتى وهي تواجه خطرا وجوديا يحيط بهم جميعا، ويحصد أرواح أبنائهم، فهل يوجد من هو أفشل من السيسي ورجاله؟
3FE3B96A-2A94-45F9-B896-FDC0381B3B7F
3FE3B96A-2A94-45F9-B896-FDC0381B3B7F
محمد طلبة رضوان
محمد طلبة رضوان