بين أليندي ومرسي

بين أليندي ومرسي

27 يونيو 2019

محمد مرسي وسلفادور أليندي

+ الخط -
تُحيلُ النهاية الدراماتيكية للرئيس الراحل محمد مرسي على سياقٍ مشابه، إلى حد كبير، لذلك الذي عاشته التشيلي بعد الانقلاب العسكري الذي قاده أَوْغوستو بينوشيه في 11 سبتمبر/ أيلول 1973، وأطاح فيه حكومةَ الرئيس الراحل سلفادور أليندي الذي قضى منتحرا داخل قصر لامونيدا الشهير في سانتياغو. وعلى الرغم من اختلاف السياق التاريخي للتجربتين، التشيلية والمصرية، إلا أنهما تشتركان في قواسم كثيرة تستدعي، بشكلٍ لا يخلو من دلالة، استخلاصَ بعض العبر والدروس.
أدرك أليندي، منذ بداية الستينات، قوة اليمين التشيلي وفعالية اصطفافاته الاجتماعية والطبقية في مقابل انقسام اليسار وتشرذمه. ولذلك عمل على تجسير الفجوة بين مكونات هذا اليسار، فساهم بفعاليةٍ في تأسيس ''تحالف الوحدة الشعبية'' الذي خاض الانتخابات الرئاسية باسمه في سبتمبر/أيلول 1970، وفاز فيها متقدّما على منافسه اليميني، خورخي أليساندري. وشكل فوزه في اقتراع ديمقراطي نزيه ضربة موجعة لليمين التشيلي، المتحالف مع العسكر والولايات المتحدة، وأثارت سياساته الاجتماعية الإصلاحية التي انخرط فيها استياءَ هذا التحالف الذي عمل على إيجاد تكتل اجتماعي مناهض لهذه السياسات، وهو ما كان له بالغ الأثر في زيادة منسوب التوتر السياسي والاجتماعي في البلاد. ويبدو ذلك شبيها بما حدث في مصر قبل انقلاب يوليو/تموز 2013، حين استغلّ العسكر استياء قطاع من المصريين من سياسة محمد مرسي، وعملوا على إيجاد تكتل سياسي واجتماعي جديد، سرعان ما وجد الطريق سالكةً أمامه نحو مظاهرات 30 يونيو التي طالبت مرسي بالتنحّي، و''فوّضت'' الجيش القيامَ بانقلابٍ عسكري ساندته القوى الإقليمية والدولية المعادية للثورات العربية.
في السياق نفسه، قام أليندي، قبل أسابيع قليلة من الانقلاب، بتعيين بينوشيه قائدا عاما للجيش خلفا لكارلوس براتس، ضمن محاولته تطويق تداعيات الأزمة السياسية المستفحلة في البلاد. وكان يعتقد أن عدم تسيُّس بينوشيه ومهنيةَ مساره العسكري الذي عرف عنه سيساعدان على ابتعاد المؤسسة العسكرية عن الشأن السياسي. ويكاد هذا السيناريو يشبه ما حدث في مصر بعد فوز مرسي في انتخابات 2012، فقد كان يظن الرئيس الراحل أن تعيينه عبد الفتاح السيسي وزيرا للدفاع وقائدا عاما للجيش، في أغسطس/آب 2012، سيحدّ من نفوذ القيادات العسكرية التقليدية (حسين طنطاوي وسامي عنان)، ويعيد صياغة علاقة مؤسسة الرئاسة بالجيش. ومثلما خان الحدس أليندي، خان أيضا مرسي بعد أن أطاحه السيسي في الانقلاب المعلوم.
تشترك التجربتان التشيلية والمصرية، أيضا، في صعود الخطاب الأمني والعسكرتاري بعد الانقلابيْن، واستفراد الجيش بالسلطة في البلدين. وقد ظهر واضحا كيف سار نظام السيسي على هدي نظام بينوشيه في تدبيره مرحلة ما بعد انقلاب 2013، فقد علّق العمل بالدستور، وطارد خصومه السياسيين، وأعمل فيهم اعتقالا وتعذيبا، ونصب رئيسا انتقاليا شكليا، وسيطر على وسائل الإعلام وسخّرها لتلميع صورته. وإذا كان رحيل مرسي بالنسبة لهذا النظام تخلّصا من عبء سياسي ورمزي ثقيل، فإنه في طريقه إلى أن يوجِد عبئا آخر يتمثل في الارتفاع المتوقع للكلفة الأمنية والسياسية والاقتصادية للقمع، مع ما لذلك من تداعياتٍ مختلفة على المدى البعيد.
من ناحية أخرى، كان للسياق الإقليمي تأثير في حدوث انقلاب تشيلي، وقد تجلى ذلك، ليس فقط في عدم رضا الولايات المتحدة على سياسات أليندي الاجتماعية، ولكن حتى في ما يتعلق بتخوفها من أن تُسهم هذه السياسات في إيجاد دينامية سياسية جديدة في أميركا اللاتينية، تنتقل بموجبها أحزاب اليسار إلى تبني الخيار الديمقراطي بدل الكفاح المسلح. ولعله الشيء نفسه الذي حصل في الحالة المصرية، فإطاحة مرسي لم تأت لأنه كان يمثل حكم حركة الإخوان المسلمين، لكن لأن حكومته كانت بمثابة نواةِ تأسيس ديمقراطيةٍ مصريةٍ تنبني على شرعية صناديق الاقتراع والتداول السلمي للسلطة وسيادة القانون. وقد رأت قوى الثورة المضادّة، الإقليمية والدولية في ذلك، تهديدا لمصالحها، لا سيما في ما له صلة بالمعادلات الجيوسياسية الكبرى المرتبطة بالقضية الفلسطينية.
مؤكدٌ أننا لا نحب أن يعيش أشقاؤنا في مصر تلك السنوات السوداء التي عاشها شعب تشيلي بعد انقلاب 1973، على الرغم من أن مؤشراتٍ كثيرةً تشي بأن نظام السيسي ماض في تغوله الأمني، بعد أن تأكد من دعم الغرب ومساندته سياساته الداخلية والخارجية.