أسئلة بشأن مؤامرة "قراءة ثانية"

أسئلة بشأن مؤامرة "قراءة ثانية"

25 يونيو 2019
+ الخط -
أسهل الطرق لتسميم أي فكرة هو طرح سؤال المؤامرة. في اليوم الثاني من ثورة يناير المصرية، كتبت صحيفة أخبار اليوم الحكومية في تغطيتها: "الإخوان أرادوها نارا ودمارا". لم يكن الإخوان المسلمون قد شاركوا بعد، إلا أن الطريق الأسهل لتسميم الحدث هو الزّعم بأنها ثورة إخوانية، بعدها يسهل إدانتها محليا وإقليميا ودوليا، ثم القضاء عليها. شارك "الإخوان" في اليوم الرابع، وشارك المصريون جميعا، لم تعد أخونة الحدث ممكنة. على الفور، تجاوز إعلام النظام "الإخوان" إلى مؤامرة أكبر، الأميركان يتآمرون (على حليفهم!)، أصدقاء حسني مبارك في إسرائيل يتآمرون، (على كنزهم الاستراتيجي)، الشيعة في إيران يتآمرون، (على الرئيس السني)، الإخوان بدورهم فعلوها حين حكموا، فكل معارضةٍ هي بالضرورة مؤامرة، وكل مظاهرة هي بالضرورة استدعاء للجيش، وحتى السخرية السياسية اعتبروها رقصا على دماء الشهداء، تقف وراءها مؤامرة مع النظام، وحقد دفين على الإسلام!
ظهر برنامج "قراءة ثانية" في تلفزيون العربي، وثارت ثائرة بعض المتطرفين على مواقع التواصل. لم يكن في الحلقة الأولى ما يمكن أن يسمّم أجواء النقاش. مادة الحلقة لا تخدمهم، لجأوا إلى خطاب المؤامرة فورا: مؤامرة تمسيح الإسلام، مؤامرة علمنة المسلمين، مؤامرة وراثة التيار الإسلامي، أصابع ترامب. خاف الناس، وبدأوا في طرح أسئلتهم: لماذا تثيرون مثل هذه الموضوعات؟ هل تحكم الدولة الإسلامية لنتناقش حولها؟ هل يرجم الزاني أو الزانية في أي بلد ليشكل الرجم مشكلة تستحق النقاش؟ هل هذه معركتنا أم أن معركتنا الأنظمة المستبدة؟
والحال أن متابعين كثيرين يتصوّرون أن تغيير الأنظمة والاحتكام للصندوق، وفق إجراءات ديموقراطية ظاهرية، كافٍ للخروج من المأزق العربي، سقطت أنظمة عربية في 2011، واحتكمنا في مصر، على سبيل المثال، للصندوق، وجاء الإخوان المسلمون، وفشلت التجربة كلها في أقل من عام، فماذا حدث؟ ما حدث وما يحدث دائما هو تحميل طرفٍ واحدٍ مسؤولية الأزمة، وسبب النكبة، من دون بقية الأطراف والأسباب والمسببات. والحلول البسيطة أسهل في ترويجها من التحليلات المركّبة، فالأزمة عند الإسلاميين هي أزمة الصندوق، ربما لأنه لعبتهم، والأزمة عند العلمانيين هي أزمة الوعي الذي يجعل من الصندوق إجراءً ديموقراطيا يأتي بأعداء الديموقراطية، والأزمة في خطاب التنوير الحكومي هي أزمة نصوص وتراث، فالبخاري هو السبب في تأخرنا وليس عبد الفتاح السيسي، ومرويات السنة هي السبب الوحيد لظهور "داعش"، وليس ترامب وبشار وماكينة رأس المال وقسوة العالم المتغلغلة في ذرات الماء والهواء، وهكذا، تشخيص خاطئ، مرض مستمر، ولا علاج.
لا يعني عدم وجود الدولة المسمّاة الإسلامية أنها غائبة، فهي ماثلةٌ في أحلام القوم وطموحاتهم وتطلعاتهم وتصوراتهم عن الدولة التي ينبغي أن تكون، وهي التصوّرات التي قفزت من خنادق العقول إلى الممارسات السياسية، وقت أن حكموا، فكانت أحد أسباب فشل التجربة كلها. وربما لو كانت إجابة سؤال الدولة محسومةً لدى فصيل كبير، مثل الإخوان المسلمين، بقياداته وقواعده لصالح الدولة الحديثة، لكان لمسار التجربة شأن آخر، بدلا من التخبط بين قَسَم البرلمان "بما لا يخالف شرع الله"، لا الدستور، وبين دستور أهل السنة والجماعة والمذاهب الأربعة، لا المصريين!
لا يرجم الحاكم الآن، ربما، لكن من قال إن الرجم لا يشكل، بجوار الردة والجلد والعقوبات الجسدية والأحكام التاريخية التي لم تخضع لمراجعاتٍ بعد، صورة ذهنية لدى المسلم الذي يتلقاها بصورتها القديمة، فيؤمن بها كما هي، ويتشكّل وعيه بدينه بناء على هذه الصورة، المجافية لزمانه، فيصبح أكثر قابليةً لقبول أحكام عنيفة، يتصور أنها تأتي من المعين نفسه، بل يصبح أكثر قابليةً لمجافاة زمانه كله بأحكامه وتصوراته وتطوره القانوني والتشريعي، ويحيل الاستجابة لكل ما يحيط به من مظاهر تطور العقل البشري إلى المؤامرة الغربية!
لماذا تناقشون هذه الأسئلة الآن؟ ربما لأننا نأمل في مستقبل مختلف، وإجابات الحاضر هي صورة هذا المستقبل، ومن دونها لا حاضر ولا مستقبل، ولا وطن ولا ثورة، ولا شيء غير السيسي، وبشار. وللأسئلة وإجاباتها بقية.
3FE3B96A-2A94-45F9-B896-FDC0381B3B7F
3FE3B96A-2A94-45F9-B896-FDC0381B3B7F
محمد طلبة رضوان
محمد طلبة رضوان