فاتورة الربيع العربي

فاتورة الربيع العربي

23 يونيو 2019
+ الخط -
لأي ثورة أو موجة تغيير تبعات قاسية لا بد من دفعها، إما فورا أو على مدى طول طريق التغيير، خصوصا إن كان هذا التغيير في بلاد أكل الفساد والهوان مؤسساتها وجثم الحكم العسكري الديكتاتوري عليها ما يقارب نصف قرن. وكلما كانت مدة الدكتاتورية أطول كانت التبعات أشد وفاتورة التغيير عالية.
ندرك أنه، وعلى المستوى الشخصي، يصعب التغيير في أبسط الأمور إلا بجهد وعزيمة قوية، فما بالك بتغيير نظام ونمط حياة تعوّد عليها الناس عشرات السنين، والتي ستواجه بحرب على أي فكرة للتغيير من سلطة الدكتاتوريات بوحشية، بل محاربتها بالحديد والنار. وعموما، لا تروق فكرة التغيير لمن يعيش على العبث بمقدرات الوطن وبيع ثرواته بأبخس الأثمان.
ولذلك، عانت موجة التغيير في بلدان الربيع العربي من تبعات ثوراتها، وهي تدفع إلى الآن فاتورة قاسية وعالية الثمن منذ ثماني سنوات، من أجل حلم التغيير وتحقيق الشعار الذي نادت به الشعوب المقهورة من عيش وحرية وعدالة اجتماعية.
وإن اختلفت فاتورة الربيع من بلد إلى آخر، إلا أن ما حدث لثورة 25 يناير المصرية، من وأد لثورتها من دكتاتور لاقى ترحيبا من بلدان النفط العربي، ومن دولة الاحتلال، ومن مجتمع دولي يقف دائما ضد إرادة الشعوب، ويدخلنا في دائرة جديدة من ضياع لحقوق الشعوب واستمرار لتقييد القرار الوطني، والاستمرار في بيع مقدرات البلدان وثرواتها على حساب المواطن البسيط. وأن تدفع ثورة فاتورة قيامها بشكل لا يستثني أحدا، وإن كان رئيس دولة منتخبا، ولأول مرة في تاريخ مصر الحديث، ويظل قرابة ست سنوات في السجن، وأمام أعين العالم، بل ويموت أمام جلاديه بشكل علني، لهي فاتورة، قلّ أن نشاهدها في عصرنا الحالي.
ولا يمكن أن ننسى أن فاتورة الشعب السوري هي الأكبر من دمار وتهجير وتشريد وتهميش، وتقاسم كل اللاعبين أراضيه على مرأى ومسمع العالم كله، وتواطؤ من أبنائه وخذلان عربي كبير. وفاتورة اليمن كارثية، يدفعها مجاعة وأمراضا فتاكة وتقاتل بين أبنائه من خلال وكلاء للإقليم المجاور، ودخول 90% من شعبه دائرة الجوع والفقر. وفي ليبيا، يبدو أنّ الفاتورة مفتوحة لكل الاحتمالات، على الرغم من محاولات الشعب الليبي العبور إلى بر الأمان، إلا أن بلدان النفط العربي وقفت لهم بالمرصاد، وتسعى إلى أن تجعل فاتورة التغيير عليهم كبيرة.
ومهما كانت فاتورة التغيير باهظة إلا أن الشعوب قد قرّرت المضي بثوراتها، وها هو السودان والجزائر يلحقان بالركب مهما كلفت هذه الثورات من ثمن، لأن ثمن الحرية والكرامة والعيش المشترك ليس سهلا، وأن تغيير أنظمة ديكتاتورية تجذّرت في أجساد الوطن ليس بالأمر اليسير، وأن التغير قادم لجيل جديد ينشد أن يعيش في وطن آمن مستقل مدني، يكون فيه صوت الديمقراطية الحاكم الأوحد والتغيير منشود بدون فواتير باهظة.
936052AB-488A-4614-B5D1-F9AF8D3778FD
936052AB-488A-4614-B5D1-F9AF8D3778FD
غمدان الزعيتري (اليمن)
غمدان الزعيتري (اليمن)