المجتمعات الناجزة ودولنا المريضة

المجتمعات الناجزة ودولنا المريضة

22 يونيو 2019
+ الخط -
العنصرية والإحساس بالتفوق العرقي أو الديني ازدادا جدا خلال العقد الحالي، بسبب المتغيرات السياسية والاقتصادية في العالم من جهة، وبسبب الحروب والكوارث الاجتماعية التي يخلفها عنف أنظمة دول العالم الثالث واستبدادها، خصوصا بعد الربيع العربي الذي قرّر النظام العالمي الحاكم تحويله إلى خراب ودمار، عبر دعمه الأنظمة العسكرية الحاكمة التي لم تتوان عن استخدام أعتى أساليب الإجرام والقتل ضد شعوبها. دفع هذا الإجرام شعوبا كثيرة في هذه الدول إلى الهرب، طلبا للأمان، إلى الدول القريبة أو البعيدة، ولا سيما أوروبا، التي استقبلت أعدادا كبيرة من اللاجئين المسلمين منهم خصوصا، من معظم دول العالم الثالث، وكان للعرب منهم نصيب كبير، وسرعان ما استغل اليمين العنصري الغربي حركة اللجوء هذه، ليعود إلى نشاطه السياسي، محذّرا من التغيرات التي قد تطرأ على المجتمعات الأوروبية بسبب وجود المسلمين، ومستغلا حالة الإسلاموفوبيا التي سادت المجتمع الغربي بعد أحداث "11 سبتمبر"، والتي تعيد إشعالها، كلما انطفأت وخمدت قليلا الحركات الجهادية الإسلامية، بشقيها "القاعدة" و"داعش"، عبر عمليات إرهابية تستهدف الأوروبيين.
ساعدت هذه المتغيرات على انتشار خطاب سياسي يميني شعبوي، استطاع تحقيق نتائج مهمة، بدأت في أميركا مع انتخاب ترامب، وامتدت إلى معظم دول المجتمع الغربي وأوروبا التي شهدت صعودا واضحا لليمين في تصويت الاتحاد الأوروبي، لم تنج منه سوى دول قليلة، وينذر بمستقبل مضطرب يعيد اللاجئين إلى مربع الخوف نفسه الذي عانوا منه قبل استقرارهم في العالم الأول، خصوصا مع علو نبرة الخطاب العنصري في الشارع، وهو أمرٌ بالغ الخطورة، لما يمكن أن يؤدي إليه من حالات تصادم عنفي متبادل، لا أحد يمكن له ضمان نتائجها وعواقبها.
والحال، أنه يمكن، إلى حد ما، تفهم حالة العنصريين الغربيين الذين يعتقدون أن المسيحية الغربية باتت مهدّدة. وهي، في كل حال، لا تختص فقط بالتوجه إلى المسلمين، وإن كانت تبدو أكثر وضوحا نحوهم، وإنما تمتد حالة العداء نحو الأقليات المجتمعية، وليس فقط العرقية أو الدينية، وهي ظواهر يعتبرها متطرّفو اليمين تساهم في تفكيك المجتمع الأوروبي المسيحي، وتغير بنيته. على أن المجتمع الأوروبي تحميه من انتشار العنف العنصري القوانين التي تعاقب المعتدي على اعتدائه، اللفظي أو المادي، تجاه الآخر المختلف، وهي تحتاج وقتا طويلا جدا كي يتمكّن اليمين، في حال تمكّنه من الحكم، من تغييرها، وستبقى هذه القوانين المستمدة من شرعة حقوق الإنسان حامية للاجئين والأقليات وحقوقهم، مهما علا صوت الخطاب الشعبوي المتطرّف، فما وصل إليه المجتمع الغربي من احترام حقوق الإنسان لا يمكن التنازل عنه بسهولة، وهذا ما يعرفه اليمين جيدا، ويسعى جاهدا إلى تغييره.
على أن ما لا يفهم هو الحالة العنصرية اللبنانية تجاه السوريين، وهي حالة تفوقت على العنصرية، ووصلت إلى مرحلة النازية، سواء في الخطاب السياسي أو في التحريض ضد اللاجئين والعمالة السورية، أو الممارسات الرسمية والفردية بحق اللاجئين، لإجبارهم على العودة إلى سورية، على الرغم من أن النظام هناك يرفض عودتهم، وأن تقارير كثيرة للأمم المتحدة تحذر من عودتهم، بسبب تنكيل النظام السوري بهم فور عودتهم، ولكن الدولة اللبنانية التي دخلت في الحرب السورية بأحد أطرافها الثقيلة (حزب الله) لا تكترث لا بالقوانين الدولية، ولا بقرارات الأمم المتحدة وتقاريرها ولا بأي شيء، إذ تواصل خطابها النازي نحو اللاجئين، إلى حد أن لبنانيين يقتلون عمالا سوريين لمجرّد أن أحدهم تأخر دقائق في إحضار طلب الزبون في مقهى، ولبنانين آخرين يوزّعون منشورات تحرّض على السوريين، وتدعو إلى تكسير ممتلكاتهم، ويتم هذا كله بدعم من الحكومة اللبنانية التي تحاول تغطية أزماتها الداخلية بالتحريض على السوريين، وهي حالة يجب أن توثق للتاريخ، فلم يسبق أن دعمت حكومة بلدٍ حركة متطرّفين ما، حتى لو كانت ضمنيا موافقة على هذا التحريض، إذ عادة ما تحرّك الحكومات طوابيرها الخامسة، لإثارة مشكلةٍ ما تغطي بها على حدثٍ سياسي أو اقتصادي، ثم تحاول الظهور بمظهر المحافظ على القانون والنظام العام، أما ما يحدث في لبنان تجاه السوريين فلا مثيل له، وهو يدل ليس فقط على فشل الحكومة والدولة اللبنانية، وإنما على ما يمكن أن تؤدي إليه التوافقات السياسية والمصالح الاقتصادية والسلطوية في بلدٍ نخرته الطائفية والمصالح إلى حد الاهتراء.
BF005AFF-4225-4575-9176-194535668DAC
رشا عمران

شاعرة وكاتبة سورية، أصدرت 5 مجموعات شعرية ومجموعة مترجمة إلى اللغة السويدية، وأصدرت أنطولوجيا الشعر السوري من 1980 إلى عام 2008. تكتب مقالات رأي في الصحافة العربية.