أيّ إسناد "دولي" لطهران؟

أيّ إسناد "دولي" لطهران؟

22 يونيو 2019
+ الخط -
يقف كل من الصين وروسيا إلى جانب إيران في الأزمة الراهنة والممتدة. وعلى الرغم من أن هذا الأمر بات مكشوفاً ومعلناً، إلا أنه يتم غض النظر عنه في المحافل الدولية لدى تناول هذه الأزمة، وربما على أمل أن تعاود طهران النظر بمواقفها، أو يراجع كل من موسكو وبكين سياستهما. ينطلق تأييد إيران في مواقفها من أنها ملتزمة بالاتفاق النووي الشهير لعام 2015، بينما خرجت الولايات المتحدة من الاتفاق. وعلى رأي الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إذا خرجت طهران من الاتفاق فسوف ينسى العالم أن واشنطن كانت البادئة بهذا الخروج، وسوف يتم تحميل طهران وحدها المسؤولية. وخلافاً للموقف الروسي، لا تكتفي دول المجموعة الأوروبية بالتمسّك بالاتفاق، بل تدعو طهران إلى الالتزام به، كما تدعو واشنطن إلى الحوار مع طهران بشأن توسيع الاتفاق. وبهذا، يمثل خروج طهران، أو تفلّتها، من الاتفاق خطأ إضافياً، وليس تصحيحاً للوضع. بينما تُماشي موسكو المناورات الإيرانية، بما في ذلك التحلل الجزئي من الاتفاق، وذلك من منظور إضعاف هيبة أميركا، حتى لو أدى ذلك إلى سباق نووي.
وتبقى خلال ذلك مسألة مهمة، أن الأزمة الناشبة لا تقتصر على الموقف من الاتفاق النووي، 
فهناك تطوير الصواريخ الباليستية، وهناك التدخلات الإيرانية في شؤون المنطقة، هي نقطة خلاف كبيرة، ولكن موسكو، ومن ورائها بكين، تتجاهلان هذه المسألة الملحة. ومنظورهما في ذلك أن أي إضعاف للوجود الأميركي في المنطقة ليس مصدر أرقٍ لهما، بل ترحبان به، بصرف النظر عن تأثير ذلك على مجريات الحياة. وبالقفز عن تأثيرات ذلك على استقرار المجتمعات وتماسكها. وبينما ارتفعت أصواتٌ في بكين تندّد بزيادة ألف جندي أميركي في الشرق الأوسط، إلا أن وجود ما لا يحصى من قوات وخبراء ومستشارين إيرانيين في دول عربية عدة لا يقلق بكين ومعها موسكو. ومن منظور عربي مستقل، لا بد أن تحصّن الأمن الجماعي قوى ذاتية، لا أجنبية، أيا كانت جنسيتها، غير أن القاصي والداني يدركان أن النزعة التوسعية الإيرانية جلبت دعما غربيا لدول المنطقة، وهي ليست محل نقد في موسكو وبكين. وبينما تحذّر العاصمتان من مخاطر التصعيد (وهو أمر متفق عليه)، إلا أنهما لا تدعوان إلى مراجعة السياسات التي وتّرت الأجواء، وإذا تمت الدعوة إلى المراجعة، فإنها تقتصر على واشنطن من دون طهران.
وبالكاد يتم الاعتراف بأن هناك مشكلة عربية مع إيران، إذ ترى العاصمتان أن هذه المشكلة (إن وجدت!) فهي امتداد أو انعكاس للمشكلة الأميركية مع طهران. مع أن الأمر ليس كذلك، فهناك استقلال لتلك المشكلة، المتمثلة في عبث طهران في الأمن الاجتماعي، ومنح "نفسها" حق التدخل هنا وهناك. وتُجاري موسكو طهران في مقاربتها، أو الأحرى مناوراتها الدبلوماسية، من قبيل الدعوة إلى توقيع معاهدات عدم اعتداء مع دول الخليج، وهي دعوة مُغرية في ظاهرها، فمن لا يرحب بعدم الاعتداء؟ وقد سعى الوزير الروسي، سيرغي لافروف، إلى تسويق الدعوة الإيرانية، واجتهد قائلا إن بعض دول المنطقة تؤيد الفكرة (بغرض إثارة
 الشكوك بين هذه الدول). وتحاول الفكرة أولا المساواة في المسؤوليات بين الدول المستهدَفة والدولة ذات النزعة الإمبراطورية، والإيحاء بأن الطرفين يهدّدان بعضهما بعضا، وأن كليهما بحاجة إلى مظلة أمان. وتسعى الفكرة ثانيا إلى إجراء مفاوضات طويلة ومتشعبة بشأن جوانب الأمن الاستراتيجية، وصولاً إلى حرمان الدول المُهدّدة من أي دعم خارجي، وذلك بادعاء العمل على توفير بيئة شاملة للسلم، لا وجود أجنبيا فيها، علماً أن هذا الوجود اضطراري، ويُفترض أنه مؤقت، بحكم الفوارق في ميزان الموارد البشرية على الأقل بين إيران ودول الخليج. وسبق لطهران أن رفضت دعوات الحوار مع مجلس التعاون الخليجي، مع ترحيبها بحواراتٍ ثنائية فحسب، للانفراد بهذه الدولة وتلك. بينما تطالب الآن بمعاهدة عدم اعتداء شاملة، وللأسف فإن الوضع الحالي لمجلس التعاون لا يسمح بإظهار قوة المجلس وتماسكه.
هناك علاقات خليجية وعربية وثيقة، ومتعدّدة الجوانب مع كل من موسكو وبكين، غير أن العاصمتين تحتفظان بمنظور شبه وحيد، وهو السعي إلى إضعاف الوجود الغربي عموماً، والأميركي خصوصاً، في الشرق الأوسط، مع السعي إلى تحقيق أكبر قدر من التمدّد لهما، وكلما كان ذلك متاحاً، فإنهما تتمسّكان بهذه الفرص، ولو أدى ذلك للوقوف مع أنظمةٍ ترفضها 
شعوبها، كما حدث أخيرا في السودان والجزائر.
ويعتبر كل من الصين وروسيا سنداً لإيران في أي محفل دولي، وبالذات في الأمم المتحدة (باستثناء حالات قليلة)، على الرغم من الفوارق في طبيعة الأنظمة الثلاثة، إلا أن نزعة الحكم الشمولي تبقى عامل جمع بينها. وليس سراً أن طهران تراهن على هذا الدعم. وهي مسألة قلما تثار دوليا، على الرغم من نتائجها المحسوسة. وفي واقع الحال، هذه بعض ملامح النظام الدولي الجديد "المتعدد الأقطاب" الذي جرى التبشير به منذ مطلع هذا القرن، وحيث بوصلته هي تقاسم النفوذ والتدافع نحوه، واستصغار شأن الشعوب، وعدم وضعها في أي حساب، وتعظيم النفوذ الإيراني الإجمالي (حتى لو كان هناك تنازع روسي معه في سورية مثلا)، وترك مسألة الأراضي العربية المحتلة للزمن الطويل. هذا على الرغم من أفضلية الموقفين، الروسي والصيني، بما لا يقاس، عن الموقف الأميركي حيال هذه المسألة، إلا أن الموقفين ليسا أكثر تقدما ودينامية من معظم المواقف الأوروبية مثلا إزاء صراع الشرق الأوسط.
وهذا هو المآل الذي انتهى إليه التفكك العربي، فبعد الشكوى عقودا طويلة من انحياز واشنطن، وبعض الأطراف الغربية، إلى تل أبيب، بما أدى إلى استعصاء حل المسألة الفلسطينية، فقد أضيف إلى ذلك أخيرا انحياز روسيا والصين إلى إيران، بما يجعل مشكلات المنطقة مديدة ومتراكبة.