إيران وتسليح الضفة الغربية

إيران وتسليح الضفة الغربية

21 يونيو 2019
+ الخط -
قال المستشار العسكري للمرشد الأعلى الإيراني، يحيى رحيم صفوي، إنّ بلاده "تضع على أجندتها تسليح الضفة الغربية، بعدما فشلت في نقل تقنية الصواريخ إليها". وجاءت تلك التصريحات العلنية، بعد تحذيرات رئيس الوزراء الفلسطيني، محمد اشتيه، من أن السلطة الفلسطينية تواجه خطر الانهيار، محذِّرا من احتمال إفلاسها ماليا في غضون شهرين أو ثلاثة، في مقابلته مع صحيفة نيويورك تايمز، وقال إن موسم الصيف الحالي سيكون حارًّا جدا، على الأصعدة كافة، محذِّرا أيضا من أن السلطة الفلسطينية ستبدأ في تسريح عناصر من الأجهزة الأمنية، لو استمرَّت الأزمة المالية الراهنة، لعدم القدرة على تغطية النفقات.
وفي هذا تلويح غير مباشر بإنهاء التنسيق الأمني الذي تدرك دولةُ الاحتلال أهميته الدائمة له، ويدرك السياسيون، أمثال رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو تأثير اهتزازه على وضعه السياسي، فالسلطة آثَرت تحميل نتنياهو المسؤولية، من دون المبادرة بنفسها، إلى حلّ السلطة، أو وقف التنسيق الأمني. حيث يبقى لقوَّات أمن السلطة ميِّزات ملموسة في منع العمليات التي تستهدف الاحتلال، لا يتوفَّر عليها، بالضرورة، جيشُ الاحتلال، وأجهزتُه الأمنية.
وكلا الأمرين؛ تصريحات صفوي وتحذيرات اشتية، يأتيان بعد فشل نتنياهو في تشكيل حكومة، وهو الذي أصبح مستقبلُه السياسي أكثرَ حرَجا؛ لأنه لا يقف على أرضية صُلْبة داخليا، وبالذات قضائيا، ولذلك تتعاظم أهمية الورقة الأخرى، النجاحات الخارجية، فقضائيا، يضيق عليه الخناق، على خلفية اتهامه بالاحتيال والرشوة وخيانة الأمانة. وفي جديد الأخبار رفض المستشار القضائي، أفيخاي مندلبليت، طلب نتنياهو تأجيل موعد جلسة الاستماع عن موعدها في أوائل أكتوبر/ تشرين الأول، رافضا اعتبار حل الكنيست وإجراء انتخابات جديدة مبرِّرا للتأجيل. وبفشله في تشكيل الحكومة، تكون آماله بسنّ تشريعات تمنحه الحصانة أمام الملاحقة القضائية، في أثناء تولِّيه الحكم، أو ما يُعرَف بـ " بند التجاوُز"، قد خابت، وكذلك خابت مساعيه إلى نزع صلاحية المحكمة العليا بإلغاء تلك الحصانة، وسحب قدرتها على إلغاء قرارات الكنيست والحكومة التي تعتبر غير دستورية. وفي حال رفض نتنياهو حضور جلسة الاستماع سيكون بإمكان مندلبليت تقديم لوائح اتهام ضد نتنياهو خلال أيام أو أسابيع.
وهنا تزيد أهمية الورقة الثانية التي يتقوّى بها نتنياهو أمام الناخبين الإسرائيليين؛ أنه بالإمكان ضمان الاستقرار والأمن من دون الانخراط في عملية السلام، ودفع أثمان سياسية، وتنازلات يفضِّل إسرائيليون كثيرون، (سيما مع تنامي الخطِّ اليميني المتطرِّف، الديني والقومي)، عدم دفعها.
ومع أن تلك التصريحات الإيرانية يمكن أن تندرج في سياق محاولات طهران استخدام نفوذها، والجماعات المتحالفة، أو القريبة منها، للخروج من أزمتها مع الولايات المتحدة، ولصدّ
الضربات، والتخفُّف من الضغوط الاقتصادية التي تمارسها إدارة ترامب، بتوافق تام مع نتنياهو، إلا أنها مع ذلك، ولو بشكل غير مقصود، تخدم السلطة الفلسطينية، في المرحلة الراهنة؛ لصالح إظهار الحاجة الاستراتيجية لبقائها، والحيلولة دون مزيد من الإضعاف لها؛ فقد وصلت جهود التفاوض إلى طريقٍ مسدود، وأصبحت الضفة الغربية، أو أجزاء منها، مهدَّدة بالضمّ إلى إسرائيل، بدعم غير مستبعَد من ترامب، (تحدث السفير الأميركي في إسرائيل ديفيد فريدمان عن "حق" إسرائيل بضمِّ أجزاء محدَّدة من الضفة الغربية)، وحيث تحاول السلطة معاندة حكومة اليمين، بالإصرار على رفض استلام أموال الضرائب التي تجمعها حكومة الاحتلال، وذلك رفضا من السلطة خصوماتٍ اقتطعتها تلك الحكومة، بحجة أن السلطة تلتزم بجزء منها لأُسَر الشهداء وللجرحى والأسرى. ونتج عن ذلك عجزُ السلطة الفلسطينية، أربعة أشهر عن دفع رواتب موظَّفيها العسكريين والمدنيين، إلا النصف تقريبا، هذه الحالة التي يتعذّر تحمّلها، إلا لآمادٍ قريبة، فعلى الرغم من انفراد إيران بموقفها ورؤيتها عن السلطة الفلسطينية، واقترابها من حركات فلسطينية مقاوِمة، وفي مقدمتها حماس والجهاد الإسلامي، أكثر من السلطة، إلا أن تلك التصريحات التي أطلقها صفوي تعزِّز الرأي المحذّر من مخاطر إضعاف السلطة، ويصبح هذا التعزيز أقوى، لو تمكّنت المقاومة في الضفة الغربية من تنفيذ عملياتٍ ضد قوات الاحتلال، أو المستوطنين. وفي هذا السياق، تأتي محاولة رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلية الداخلية (الشاباك)، نداف أرغمان، إقناع الرئيس محمود عباس، بتلقِّي عائدات الضرائب، منقوصةً، من إسرائيل، في لقاء سرّي بينهما، وسط قلق في دولة الاحتلال، من أن السلطة الفلسطينية على شفا انهيار قد يؤدِّي إلى التأثير على الوضع الأمني في الضفة الغربية.