عامان على الحصار.. ماذا بعد؟

عامان على الحصار.. ماذا بعد؟

02 يونيو 2019
+ الخط -
عندما يسأل مقدّم برنامج يوصَف بأنه ترفيهي، في سهريةٍ رمضانية في قناة سعودية، مغنياً أردنياً ما إذا كان سيغنّي في قطر إذا نفذّت الشروط الثلاثة عشر عليها، وعندما يُزيحون في أبوظبي اسم قطر من خريطةٍ للخليج في متحفٍ فرنسي عندهم، وعندما لا يمثّل رئيس وزراء البحرين الموقف الرسمي لبلاده في مهاتفته أمير قطر للتهنئة بشهر رمضان، وعندما توقف محطة تلفزيونٍ إماراتيةٍ بث مسلسلٍ درامي، لأن بطلته ارتحلت إلى العمل مذيعةً في قناة الجزيرة، وعندما يستنكف محمد بن زايد، أو أي من إخوته، عن الحضور إلى ملعب آخر مباريات كأس  آسيا في بلده، بسبب منتخب قطر وأرجحية فوزه فيها،.. عندما تتراكم، في عامين، وقائع كاريكاتيرية مثل هذه، لا يستحي منها فاعلوها في الرياض وأبوظبي والمنامة (دعك من مصر، فشرح قصتها يطول)، فاعلم أن شيئاً مَرَضياً، مُتعِباً، يُغالبه حاكمون في الإمارات المتحدة والعربية السعودية، تحديداً، كان من بواعث إشعالهما الأزمة المستمرّة في الخليج، وإشهارهم، في الرباعي إياه، حصار قطر ومقاطعتها، وإعلانهم الشروط التي خيّل لذلك المذيع غير الظريف أن المغنّي الأردني، عمر العبداللات، سمعَ بها. 
ولكن، أخذاً بشيءٍ من الوقار، في قضيةٍ لها حساسيّتها لا شك، ثمّة أربع دول عربية تتهم دولةً عربيةً أخرى بدعم الإرهاب والإرهابيين، ولهذا السبب، تُعاقبها بإجراءات محدّدة. وبالمقدار نفسه من الوقار، لكل أحدٍ حقّه في أن يقول ما يقول، وما عليه سوى أن يقدّم دلائله. وبهذه الروحية، تعامل أمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد، في وساطته المقدّرة، فطلب من أولئك في أبوظبي والرياض شواهد على ما يدّعون، ليحدّث بشأنها الدوحة، لكن ما رَشَحَ، ثم تأكّد، أن أصحاب الرؤوس الحامية في العاصمتين لم يكترثا. وعلى ذمّة عارفين، تلقّت الكويت منهم قصاصات جرائد، فيها كلامٌ منشورٌ عن اتهامات قطر بالذي يقولون. أما نحن، أصحاب التعاليق الصحافية، فكتب بعضُنا، وصاحب هذه الأسطر منهم، إن سلطنة عُمان عندما قبضت على "شبكة تجسّسٍ تابعة لجهاز أمن الدولة في دولة الإمارات العربية" كانت تنوي فعلاً تخريبياً في البلاد، أعلنت عن ذلك في بيانٍ رسمي في يناير/ كانون الثاني 2011، ثم اضطر محمد بن راشد ومحمد بن زايد، في اليوم التالي، إلى السفر إلى مسقط، برفقة أمير الكويت، لمقابلة السلطان قابوس ولملمة الموضوع. ولو كان في جعبة الحاكمين في الدول الأربع، غير قصاصات الجرائد تلك، من أدلة اتهامٍ ضد الدوحة، فلماذا لا يُشهرونها، ولا يقدّمونها للوسيط الكويتي، بل ولا يطرحونها في المنظومات العربية والإسلامية والأممية الجامعة، إلا إذا اعتبروا ثرثرات حبيب الصايغ في أبوظبي وافتتاحيات جريدة عكاظ في الطائف وخراريف لميس الحديدي في القاهرة شواهد على أن أهل القرار في عواصم الرباعي لا يسعهم الوقت، وهم ينشرون التنوير وتجديد الخطاب الديني، فيما الدوحة مشغولةٌ بدعم الإرهاب.
يكتمل عامان بعد غدٍ على يباس رؤوس أولئك الناس، فيما أرطالُ فشلهم الفادحة ما تنفكّ تتراكم كل يوم، منذ لم تصدّق دعاواهم في العالم كله سوى حكومتي شرق ليبيا وعبد ربه هادي اليمنية الشرعية، وحكومة موريتانيا، فيما راجعت تشاد نفسها وأعادت العلاقات الدبلوماسية مع الدوحة. وليس متوقعاً أن يسأل أولئك أنفسهم، مع دخولهم عاماً ثالثاً في مناطحة أنفسهم، وفي مبارزة العالم بتغريدات أنور قرقاش وتذاكي عادل الجبير وسفالات موقع اليوم السابع المصري، عن الأسباب التي جعلت العالم كله (باستثناء تلك الحكومات الثلاث طبعاً) لا يقبضون فِرية دعم قطر الإرهاب، ولا يأخذون بأيٍّ من أسباب مقاطعتها وحصارها. وقد كتب المعلق الأميركي، مارك بيري، قبل أسبوعين، إن الولايات المتحدة فكّرت بالاستجابة لمحاولات الإمارات والسعودية التخلي عن قاعدتها "العيديد" في قطر، ثم لم تجد ما يُقنعها في بدائلَ درستْها، ويوضح أن "الإماراتيين قدّموا عرضاً، ومقارنةً مع القطريين كان بائساً". ومن تابع عروض رباعي الحصار، السياسية والدبلوماسية والرياضية والإعلامية والقانونية، في مناطحة قطر، في غير ملف في عامين، لا يقع على غير بؤسٍ غزير، ما يجعله سؤالاً في محله: أي نبالٍ بقيت في جراب أولئك، ولم يرموها بعد؟
معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.