بأي حالٍ عدت يا عيد؟

بأي حالٍ عدت يا عيد؟

03 يونيو 2019

(ناجية محادجي)

+ الخط -
على الرغم من أن توقيت حلول عيد الفطر المبارك بدأ يبتعد تدريجياً عن أشهر الصيف شديدة الحرارة، إلا أن أحوال العرب تبدو أشد سخونة واحتقاناً من أجواء الطبيعة. عانى الصائمون في الدول العربية من حر الطقس وعطش الصيام، وعانوا أكثر من سخونة قضاياهم وسوء الأوضاع، سواء داخل كل دولة أو في المجال العربي ككل. فعلى الرغم من التباينات الواضحة بين الشعوب العربية في العادات والطقوس المصاحبة للمناسبات الاجتماعية والدينية، مثل شهر رمضان وعيد الفطر، إلا أن هذا العام جاء بقواسم مشتركة بين العرب الصائمين، وتركت بصمتها على أجواء عيد الفطر الذي سيحل غداً أو بعد غد. أهمها حالة القلق وافتقاد الأمان، ليس فقط بالمعنى الجنائي أو المادي، بل بالمعنيين، الاقتصادي والنفسي أيضاً. وغابت عن الشهر الكريم، وأجواء ما قبل العيد، روحانياتٌ يفترض أنها سمتٌ جوهري لتلك المناسبات الدينية.
المعتاد عربياً أن يلعب الإعلام دوراً في ضبط المزاج العام، خصوصاً على المستوى القُطري داخل كل دولة، وبدرجة أقل على النطاق العربي عموماً. وكلما كانت الأوضاع العامة مشحونة وحافلة بالتطورات والأحداث المهمة، كان المتلقي أكثر ترقّباً لما سيقدّمه الإعلام. وكعهد الإعلام العربي في شهر رمضان، تم حشد عدد كبير من المواد الدرامية والترفيهية وبرامج المسابقات، لجذب ملايين المشاهدين. في السنوات السابقة، كانت تلك المواد تستقطب اهتمام المشاهد العربي، وكان بعضها يثير جدلاً، وأحياناً حملات على وسائل التواصل.
لم يختلف المحتوى الذي قدّمه الإعلام العربي في رمضان هذا العام عن الأعوام السابقة، إلا أن تفاعل المتلقي العربي اختلف كثيراً عن قبل. وبدت مؤشرات الاختلاف واضحةً في محدودية الجدل وقلة التعليقات على وسائل التواصل. وكذلك في الحوارات المباشرة التي تجري خلال التجمعات العائلية في المنازل والأندية والديوانيات، وغيرها من الفعاليات المجتمعية، في أمسيات رمضان.
عرضت الشاشات العربية في رمضان عدداً من برامج الواقع، اختلفت أفكارها، لكن شيئاً لافتاً جمع بينها جميعاً. بدت حالة من الكآبة والشرود على معظم وجوه المواطنين العاديين، فقد تصرّفوا بتلقائية من دون ترتيب، فضلاً عن أنهم ليسوا ممثلين محترفين. وعلى الرغم من اختلاف أنماط الاستجابة للأفكار الاستفزازية التي تتضمنها تلك البرامج، كان القاسم المشترك بين معظم الذين ظهروا فيها غياب التفاؤل وارتسام العبوس على الوجوه.
إجمالاً، تراجع الاهتمام بالدراما والمسابقات، وما تبثه الفضائيات بشكل عام، لحساب الأوضاع الاقتصادية والهموم الإنسانية والأزمات السياسية والصراعات المسلحة في العالم العربي. وعلى الرغم من أن تلك الأوضاع قائمة منذ سنوات، إلا أن جوانب منها اكتسبت زخماً وسخونة، خصوصا هذا العام، فقد زاد التوتر مع إيران، واتسعت الفجوة بينها وبين معظم دول المنطقة، حتى صارت الحرب وشيكة. بينما تفجرت الأوضاع الداخلية في السودان والجزائر، فاستدعت إلى الذاكرة موجة انتفاضات 2011 والتي وصفت بـ "الربيع العربي".
وأبت القضية الفلسطينية إلا أن تظل حاضرة وحية في الذهن العربي، لتواكب بتفاعلاتها سخونة الطقس وحرارة الصيف، حيث ساد المنطقة قلق وترقب لما سيحدث بين العرب وإسرائيل بعد الشهر الكريم، على خلفية إعلان واشنطن أنها ستكشف رسمياً عن ملامح خطة جديدة للسلام، بعد عيد الفطر مباشرة. ثم جاء تعثّر تشكيل الحكومة في إسرائيل، ليرتدّ الموقف مجدّداً إلى حالة من الغموض وعدم اليقين والقابلية لكل الاحتمالات.
تحت وطأة هذه الأجواء الساخنة، منطقي أن يكون إحياء طقوس رمضان والاحتفال بالعيد مجرد أداء لطقس روتيني، ذي صبغة دينية اجتماعية، وليس عملاً مُفرحاً ينبع بتلقائية وسعادة كما يُفترض.
وللأسف، أخفق الإعلام تماماً في التعاطي مع هذه الأجواء، فلا هو استوعب حالة القلق والترقب لدى المواطن العربي، ببث محتوى مطمئن ومهدئ للرأي العام، ولا هو نجح في إلهاء الناس عن مشكلاتهم المعقدة وأحوالهم الملتهبة بالدراما والترفيه.
58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.