مرسي وحزب "برغم اختلافي معه"

مرسي وحزب "برغم اختلافي معه"

20 يونيو 2019
+ الخط -
استشهد الرئيس محمد مرسي "المعزول" في قفص زجاجي محصّن بشبك معدني، وكأنه حوت أوركا أو كينغ كونغ، ولن تفرج المحكمة الشامخة عن الصورة التلفزيونية حرصاً على الأمن القومي البسكويتي. افترى عليه كثيرون، وتاجرَ الشاويش بلحة بجملة "صديقي بيريز" تجارةً رابحة، وهو الذي أرسلها إلى صديقه العزيز بيريز، وكلما ظهر أحد "الإخوان البيريزيين" ذكّرنا بهذه الجملة. قارن إعلاميون مصريون من أذرع الأخطبوط عبد الرز السيسي، مرةً، قفص محمد مرسي بقفص عبدالله أوجلان، كما فعلوا، في مقارنةٍ أخرى، عندما شبهوا فوز محمد مرسي بفوز هتلر! وكلتا المقارنتين لا تجوزان، فأوجلان المتهم بمقتل ثلاثين ألف تركي وكردي يرتع في سجن تركي، وتتودّد إليه السلطات التركية حتى تحلب منه تصريحاً مؤثراً على أتباعه العميان، ومرسي لم يقتل نملة، حتى إنه اعتذر من عريان الاتحادية، ومنح "عيدية" للحرس الرئاسي في العيد من عرقه في الهندسة، وليس مثل هتلر الذي صار شاربه رمزاً للطغاة في الصور والسينما والمسرح، بعض الناشطين تذكّر صدام حسين الذي قتل أيضاً، وشتّان، فمرسي لم يحكم سوى سنة، وكان حكماً مع وقف التنفيذ، حتى إنه لم يقبض أجره.
كان يدرك أنّ الدولة العميقة من أيام فرعون ضده، وذُعر العبيد الخواجات وهم يرون فلاحاُ من عامّة الأمة في القصر الجمهوري، وقد اعتادوا على "العبودية المختارة"، فتاقوا إلى الإذلال اللذيذ، ولم يكن قفص أوجلان الذي اعتقل أيام الأتاتوركيين مثل قفص مرسي، إذ كانت الرؤية فيه واضحةً والصوت كذلك. ولكن أكثر جملة سمعتها وقرأتها في عزاء مرسي الذي سجن حيّاً في الحديد، وميتاً في الظلام، فقد دفن في الظلام تحت عيون خير أجناد "الأرز"، وحرم من جنازة، وسيحرم من العزاء، وماتت معه أسرار كثيرة، كانت الجملة: "برغم اختلافي معه". قالها إعلاميون وساسة لهم أحزابهم، ومعروفون مثل ثقب كرة القدم. يقولها واحدُهم وهو يشرب من السم السقراطي، ويلم إحباطه على إحباطي. أتباع القوة أكثر من أتباع الحق، أحياناً يشعر بعض أتباع القوة بالخجل، فيقول معزيّاً الحق: أيها الحق، برغم اختلافي معك، لكني من أتباع القوة ولا حول ولا قوة إلا بالله. قلوبنا معك وسيوفنا عليك.
وسائل الإعلام فتشت بالمجهر عن تعازي الرؤساء. رئيسان مسلمان هما أمير قطر والرئيس التركي قاما بتعزية أهله ومحبيه علناً، وفوجئ الناس بتعزية من الملكة نور. أمّا الغرب الحضاري الرقيق، رافع لواء مبادئ الحق وحقوق الإنسان والحيوان، فلم يذكر أحد منهم الرئيس الشرعي الذي احتال الغرب الديمقراطي على إسقاطه، خوفاً من أن يركب مثلهم وسائل النقل العامة إلى عمله، وحليب مصر طيب، سوى شخصيات قليلة، بينها منظمة العفو الدولية، ثقب التنفيس الوحيد الذي تتنفّس منه في الكرة التي ترفس، وهي منظمةٌ لها تقارير ورقيّة، وليس لها مدافع وطائرات، وهي منصفة، عندما يرتكب معارضٌ سوري جريمة حرب، يستوي لديها الطرفان فتنطق بالحق المبين: وقد ارتكب الطرفان جرائم حرب.
قرأنا تعزية حمدي صباحي ومحمد البرادعي، وهما يعزّيان في "الدكتور"، وليس الرئيس محمد مرسي، من أقفاص "تويتر"، وهما من المساهمين في قتله وسجنه على الأقل، إخوة يوسف من أبيه ومن أم أخرى. وكانا أيام مرسي ملء السمع والبصر، لا ينطقان إلا وأمامهما خمسون من أبواق التلفزيونات. وقتله وأعان على قتله ملوك أميركان وفرنسيسكان وروس وكوارع، فجلده كما وصفه المهرّج باسم يوسف "تخين"، ولم تخرقه السكاكين المسنونة في الإمارات العربية والإمارات الغربية. .. ذعروا من عزَّة مرسي فقتلوه، ووجدتُ حمدين صباحي، القومي الليبرالي المطاطي، الذي كان يمكن له أن يصير رئيساً لمصر سعيداً بأن صار دوبليراً للسيسي إبّان عرس السيسي الديمقراطي.
يقول الفيلسوف كيركجارد: تنتهي فترة حكم الطاغية حين يقتل، وتبدأ فترة حكم الشهيد. ذكر المنصف المرزوقي مرسي مستقوياً بليبراليته، ولكن فطرته غلبته فبكى بكاء طفل يتيم، وقد نجا هو من القتل، والشعب العربي يتيم، مشكلتنا ليست مع السباع المتوحشة، بل في إقناع الثيران الملونة بأنها ثيران وليست فئران. مشكلتنا هي مع المطأطئين المطاطيين كما قال أحمد فؤاد نجم في مقعد صدق: "لمّا الكلمة تكون بتدينـك/ لما تخبي ف قلبك دينك".
683A43FF-D735-4EBA-B187-3AC9E42FAE32
أحمد عمر

كائن يظنُّ أن أصله طير، من برج الميزان حسب التقديرات وطلاسم الكفّ ووحل الفنجان.. في بكرة الصبا أوعشية الشباب، انتبه إلى أنّ كفة الميزان مثقوبة، وأنّ فريق شطرنج الحكومة "أصحاب فيل"، وأنّ فريق الشعب أعزل، ولم يكن لديه سوى القلم الذي به أقسم" فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا..."