في تغيير دولة الاحتلال

في تغيير دولة الاحتلال

19 يونيو 2019
+ الخط -
ثمّة قناعة تزداد رسوخاً، يوماً بعد يوم، لدى نخب إسرائيلية بأن تغيير دولة الاحتلال يستحيل أن يتم من داخلها فقط. وعبّر عن هذه القناعة أخيراً الأستاذ الجامعي، مناحيم كلاين، المتخصّص في تاريخ القدس، وأحد أقطاب "مبادرة جنيف"، في ثنايا مقال نشره في (Palestine–Israel Journal)، وترجمته صحيفة هآرتس أواخر شهر مايو/ أيار الفائت. 
يعتقد كلاين أنه من أجل حمل الجماعة اليهودية المنغمسة حتى الثمالة في مشروع التوسع والسيطرة على التنازل عن الامتيازات التي راكمتها جرّاء هذا المشروع، هناك حاجة إما إلى أزمة قاسية، أو إلى ضغط خارجي كبير، فلم يسبق أن كانت هناك أي قوة استعمارية تنازلت عن مستعمراتها لأسبابٍ ضميريةٍ أو بدافع الاعتراف بحقوق الإنسان. وأعاد التذكير مثلاً بأن فرنسا قرّرت الانسحاب من الجزائر في سياق عالمي من مناهضة الاستعمار، بيد أن هذا السياق ما عاد قائما.
وحاول كلاين كذلك أن يوسع مفهوم المستوطن، بموجب ما هو شائع في سيرورة التفكير الإسرائيلية، فكتب يقول إن المستوطنين، بوصفهم فئة سياسية ودينية واجتماعية، لا ينحصرون في نطاق أراضي الضفة الغربية المحتلة منذ 1967. وبكلمات أخرى، ليس موقع السكن هو ما يحدّد "من هو المستوطن". ومن هذه الناحية، هناك مستوطنون كثيرون داخل الخط الأخضر، تماثل رؤيتهم الدينية والسياسية والأمنية والقومية، تلك التي لدى المستوطنين خارج ذلك الخط الذي تسببت حرب 1967 بمحوه.
وسبق للمؤرخ الإسرائيلي، يغئال عيلام، المتخصّص في تاريخ الصهيونية وإسرائيل، أن أشار على مسامعي إلى أنه واضح له، كوضوح الشمس، أن أي تغيير دراماتيكي في ما يتعلق تحديداً بسياسة إسرائيل إزاء الفلسطينيين قد يطرأ في المُستقبل سيكون بسبب إكراهات خارجية، وليس نتيجة تغييرات داخليّة. وبرأيه، فإن أي إكراهاتٍ خارجية تعني أن العالم سيلعب بطريقة مغايرة، وهذا لن يكون بسبب القيادات أو الحكومات، إنما بضغط البنى التحتيّة الاقتصاديّة والأكاديميّة والرياضيّة، على غرار ألا يسمحوا لإسرائيل، مثلاً، بأن تشترك في الألعاب الأولمبيّة، وأن يقاطعوا الأكاديميا. وفي قراءته يكفي هذا كي نرى تحرّكاً داخل إسرائيل. وارتباطاً بهذه الفكرة، أكد أنه مع الذين خاب أملهم، لأن العالم لا يفعل هذا، بسبب المحرقة النازية؛ "فنحن لا نزال نعيش على صندوق المحرقة الذي يمنحنا تخفيضات"!
ويمكن العثور على تلميحٍ بشأن هذا الاستنتاج، حتى في كتابات نُخب من اليمين الإسرائيلي، ففي أوائل الشهر الفائت، حاول اللواء احتياط، غرشون هكوهين، أن يقدّم تفسيراً لسلوك ديفيد بن غوريون الذي تنسب إليه الوثائق الإسرائيلية أوامر إيقاف قائد لواء القدس، موشيه دايان، عن احتلال البلدة القديمة في القدس، وإيقاف يغئال ألون عن احتلال جبل الخليل، في 1948، فكتب أنه، في ذلك الوقت، بعد "حملة يوآف" في الجنوب و"حملة حيرام" في الجليل، كانت بيد دولة الاحتلال مناطق مهمة، أكثر مما خصص لها في قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة في 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 1947، وفهم بن غوريون أنه إذا ما احتل كل مناطق فلسطين الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، فلن يكون في وسع إسرائيل وحدها منع فرض الأمم المتحدة كامل صلاحياتها لتنفيذ مشروع التقسيم، وفقاً للحدود التي أقرّت فيه. كما فهم أنه إذا ما احتل الجيش الإسرائيلي القدس الشرقية، فلن تتمكّن دولة الاحتلال من الصمود في وجه الضغط الدولي، لتنفيذ القرار الأممي وتوصية الكونت برنادوت بالسيطرة الدولية على المدينة.
وتأكيداً لهذا التفسير، اقتبس أقوال بن غوريون في مداولات "مجلس الدولة" بشأن اقتراحات برنادوت (ديسمبر/ كانون الأول 1948) التي ورد فيها: "أنا مع الذين لم يعتقدوا بأن هناك تناقضاً بين المطالبة بفلسطين الغربية كلها دولة يهودية والموافقة على إقامة دولة في قسم منها. طالبنا بما نستحقه، وحصلنا على ما نستطيع أن نحققه، ولكننا لم نعلن أبداً أن هذا هو حدّنا الأقصى، وأعلنّا بتشديدٍ زائدٍ أن هذا هو حدّنا الأدنى".