هذا المؤتمر العلمي عن القدس

هذا المؤتمر العلمي عن القدس

18 يونيو 2019

في افتتاح مؤتمر "القدس: تحديات الواقع.." في عمّان

+ الخط -
لسائلٍ أن يسأل عن الذي يضيفه مؤتمر "القدس: تحدّيات الواقع وإمكانات المواجهة"، والذي نظّمه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بالتعاون مع الجامعة الأردنية ومؤسسة الدراسات الفلسطينية، واختتم أمس الاثنين في حرم الجامعة الأردنية في عمّان، إلى مئات المؤتمرات والندوات والملتقيات التي عقدت في غير بلد، بشأن القدس، طالما أن إسرائيل لم تعبأ يوما، في سياسات الضم والتهويد التي تواصلها في المدينة المحتلة، بعشرات القرارات الأممية والدولية والأوروبية والعربية التي طالبتها بالكفّ عن هذه السياسات، ولم تكترث يوما بمؤتمراتٍ وملتقياتٍ عربيةٍ عديدة انشغلت بالقدس. وقد أدلى أحد حضور المؤتمر في مدرج كلية الأمير حسين للدراسات السياسية في الجامعة الأردنية بسؤالٍ كهذا.
ليست الإجابة عصيةً، ولكنها تتطلب، ابتداءً، تمييزا ضروريا بين مختلف الأنشطة المتعلقة بالقدس، وكلها مقدّرةٌ طبعا، فثمّة ما هو تعبوي، وما هو سياسيٌّ محض، وما هو مهرجاني واحتفالي، وما هو معرفي وعلمي، وثمّة ما يخلط بين هذه الألوان جميعها. وهنا يحسُن تأكيد بديهيّة أن أي لقاءٍ يجمع نخبا وناشطين ومؤرّخين وباحثين عربا، للتدارس في شؤون القدس، محمودٌ ومطلوبٌ دائما، ومن المهم أن لا تتوقف هذه اللقاءات، إذ لا يجوز أبدا (لا اعتذار عن هذه اللغة العسكرية النبرة) أن تُشيع صفاقاتُ إسرائيل وجرائمها المعلومة إحساسا بقلة الحيلة، وأن يدفع شعورُ العاجزين المحبَطين اليائسين هذا إلى أن نتوقّف عن الحديث عن القدس، مجتمعا وناسا ونضالا ورمزيةً ومكانا وأفقا وتاريخا.
وفيما تنوّعت موضوعات المؤتمر، في السياسة والاجتماع والتعليم والقانون، فإن أوراقه ومناقشاته حافظت، عموما، على السّمت الأكاديمي الذي يطبع مجهودات المركز العربي، فكانت المعلومة الموثّقة، والروحية الاستقصائية في مقاربة المسائل والقضايا المطروحة، وكثيرٌ منها معنيٌّ بالواقع والميداني والمعاش والحياتي في القدس. وفي هذا الشأن، سمع الحضور ما فاجأهم، وما زادهم أسىً بشأن المدينة المقيمة في الوجدان، من قبيل زيادة انتشار المخدرات في المجتمع المقدسي، وتراجع الإقبال على مهنة التعليم، وتناقصٍ في مستواه، وغير ذلك من حقائق مقلقة، يحسن بنا أن نعرفها، ونحن نُؤثر الانصراف عن المعرفة العلمية المحقّقة فيما يخص راهن المقدسيين، وهم يغالبون أوضاعا عويصة، واستهدافاتٍ إسرائيليةً على غير صعيد، إلى التغنّي المشحون بالعواطف المسترسلة بشأن القدس، وهو أمرٌ لا تحفّظ عليه، غير أن من الأدْعى أن لا يُعمي العيون عن تفاصيلَ من الملحّ أن تكون معلومةً عن الناس هناك، ومشكلاتهم، إذ هم فيما يواجهون سياساتٍ عنصريةً إسرائيلية، فإن تحولاتٍ ومتغيراتٍ ومستجدّات تطرأ في الواقع الاجتماعي والمعيشي لهم من شديد الضرورة أن تطلّ عليها دراساتٌ وأبحاث، وتضيء عليها.
تأتي على بعض هذه الشؤون أبحاثٌ في مؤتمر المركز العربي في الجامعة الأردنية، والذي ساهمت في ترتيباته مؤسّسة الدراسات الفلسطينية أيضا، من بين مشاغل أخرى اعتنى بها 35 بحثا، طافت في قضايا القدس، وابتعدت عن التاريخي والأرشيفي ما أمكن، وتركّزت غالبا على راهن المدينة، والتحدّيات المختلفة أمام العرب والفلسطينيين، إذا أرادوا حقا حمايتها، وأن يحولوا دون أن تنجح إسرائيل والولايات المتحدة فيما تدبّرانه لمستقبلها، وفي البال أن مخططات التهويد والمصادرة لم تتوقف، وتجاوزت الأرض والمكان إلى الماضي والتاريخ. وإذا كانت انعطافة الرئيس ترامب في السياسة الأميركية أخذت القدس إلى تحدٍّ ثقيلٍ مُضاف، فإن الأوراق التي شارك بها باحثون مختصّون عن هذه السياسة ومساراتها، وعن مختلف المواقف الدولية، الأوروبية خصوصا، وكذا قرارات الأمم المتحدة، أضاءت بشكلٍ وافٍ على مختلف جوانب هذه المسألة، وبذلك، توفّر للأكاديميا العربية جهدٌ، جدّيٌّ وعلمي، في هذا الشأن. الأمر الذي ينسحب على أوراقٍ أخرى، بشأن موضوعاتٍ من النادر أن تحظى بالانتباه إليها، لا سيّما بشأن الشباب المقدسي والصراع على الصورة، والمحو الثقافي، والسياسات الديمغرافية.. وبذلك، لا تزيّد في القول إن جهدا علميا نوعيا عن القدس، أمكن لحضورٍ طيبٍ ومتنوعٍ لمؤتمر المركز العربي في الجامعة الأردنية أن يتعرّف عليه، وأن يثمّن قيمته وأهميته.
معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.