يوميات أكرم زعيتر..في بلاط الملك حسين وأحداث أيلول

يوميات أكرم زعيتر.. في بلاط الملك حسين وأحداث أيلول

17 يونيو 2019
+ الخط -
يبدو أكرم زعيتر (1909 - 1996) المناضل العربي الفلسطيني الأردني، صاحب حسّ توثيقي مبكر، وقد نشرت بعض وثائقه ويومياته في عناوين عدّة بشكل وثائق أو أوراق تناولت الحركة الوطنية الفلسطينية وبواكير النضال الفلسطيني من 1909-1935، أو محاولات العمل لأجل فلسطين. وللرجل أرشيف كبير من الرسائل والوثائق التي هي اليوم محفوظة لدى المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. 
من حيث اليوميات التي تعد الأكثر أهمية بالنسبة للقارئ الأردني والفلسطيني بخاصة، والعربي بعامة، والتي صدرت أخيراً عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بعنوان "يوميات أكرم زعيتر، سنوات الأزمة 1967 - 1970"، فهي سرد وقائع يومية ومحاولة جادة من جهة النشر لفتح مغاليق التأريخ الوطني الأردني برؤية حصيفة ومتعقلة.
خصوصية هذا العمل في أنه يمثل توثيقاً دقيقاً لرجلٍ عامل في السلطة بين عامي 1967 و1971، إذ هو مثقف وسياسي فلسطيني، ثم سفير ودبلوماسي ثم وزير للخارجية، فعضو في مجلس الأعيان (مجلس الملك) فوزير للبلاط عقب هزيمة حزيران. وفي هذا الموقع الحساس، أطلّ على الأوضاع المحلية في الأردن بدقة متناهية وحياد واضح. ثم بعد النكسة، عاد عيناً في
 مجلس الملك.
دوائر اليوميات عديدة، تتمثل الأولى في شخصية أكرم زعيتر وعلاقاته، وخبراته ومواقفه الشخصية وآرائه السياسية الوظيفية وغير الوظيفية، وخصوصاً فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وحركة فتح والعمل الفدائي. الثانية حال النخبة السياسية الأردنية، ويبدي فيها زعيتر نقداً واضحاً لبعض الشخصيات، أمثال بهجت التلهوني وعاكف الفايز ومحمد رسول الكيلاني وسعد جمعة وعبد المنعم الرفاعي وغيرهم، وهناك من قدّم عنهم صورة إيجابية ومريحة، مثل وصفي التل، وهو أكثر الشخصيات إيجابية وحضوراً عنده، ومحمد علي بدير وكذلك زيد الرفاعي وعبد الوهاب المجالي ويعقوب العودات. والدائرة الثالثة هي الدائرة الفلسطينية العامة، وعلاقات زعيتر مع أعيان فلسطين، أمثال حمدي كنعان وحكمت المصري وكامل الشريف وغيرهم. والدائرة الرابعة الشأن الوطني العام، وفيه يتناول تفاصيل الحكم والناس والفساد والعمل الفدائي ومعركة الكرامة وتطورات السلام. والدائرة الخامسة: الأردن والعرب والعالم.
تقع اليوميات في أربعة فصول مع ملاحق من الصور والوثائق، موزعة على السنوات 1967-1971، والبداية في اليوميات بتاريخ 26/3/1967 بالحديث عن استقالة حكومة وصفي التل الثانية، واعتذاره عن المشاركة مع وصفي، بعد أن كان وزيراً لخارجية حكومته الأولى، ثم تعيينه عضواً في مجلس الأعيان، وتولي سعد جمعة الحكومة بعد تعيين وصفي التل رئيساً للديوان الملكي.
في اليوميات سيكون الزمن السياسي هو الذي يطغى، والتأريخ الحدثي هو المهيمن على مسار التوثيق، ومحور الحديث هو الملك الحسين، رجل المرحلة الحرجة، وسيكون لوصفي التل حضور كبير وحب وحرص من زعيتر على إظهار صورة إيجابية خاصة به، سواء في موقفه من العمل الفدائي وتحرير الضفة والقدس، أو في موقفه الرافض للانصياع لمصر الناصرية، وفي الموقف المُشرق ضد فساد النخب والساسة والوضع العام في البلد.

العلاقة مع مصر وأزمة في القصر
يبدأ عمل زعيتر في الديوان الملكي الهاشمي صباح 17/6/1967، كان وصفي التل ممن زاروه متحدثاً إليه عن استقالته والظروف الحرجة التي دفعت بالتغييرات السياسية، ومنها رحيل حكومة سعد جمعة، الضعيفة كما يصفها. وهنا يكشف زعيتر أن وصفي التل أخبره بأنه كان "يكره الأرض التي يمشي عليها سمير الرفاعي، لكنه لو كان حياً لكنت أول من دعا إلى ترشيحه للوزارة، كان رد وصفي "المهم أن يرحل سعد جمعة" (ص 58).
يعقد الملك حسين مؤتمراً صحافياً في 19/6/1967، ويُمهد فيه لمؤتمر القمة العربية في
 الخرطوم، ويتحدث عن دعم الولايات المتحدة لإسرائيل، ويقابل الفريق عبد المنعم رياض قائد الجيوش العربية، فيجرى التحضير للخطاب الملكي في الخرطوم، وفيما يرويه زعيتر أن الملك حسين روى أن "ترديد إذاعة صوت العرب لإحداثيات الرادار الأردني أدّى إلى تدميره حتى قضي عليه، كما أن ما نشر عن القوات العراقية وتحرّكاتها في الطريق إلى الأردن أدى إلى قصف تلك القوات والفتك في الكثير من أفرادها" (ص 65). ولاحقاً سيكشف زعيتر أن أكثر ما آلم الملك حسين "أن الرئيس جمال عبد الناصر أخفى عليه تدمير طيران مصر في اليوم الأول، حين اتصل به الملك حسين مستطلعاً عن الحرب" (ص 65).
حدثت النكسة وانتهت من دون إعلان فعلي للمسؤولية عنها، وسوف يستغرق الحديث والتقييم لنتائجها أردنياً جزءاً كبيراً من اليوميات. ولكن ثمّة أزمة أخرى أعقبت النكسة، وكانت داخل القصر الملكي في عمّان، والتي تشير إليها اليوميات، ولسوف تأخذ منحىً جديداً، حين يأتي وصفي التل في الثاني من يوليو/ تموز 1967، ويقدم رأيه حول نتيجة المعركة، حيث سيقول لأكرم: "لقد انتهيت إلى رأي في ما نحن فيه، ولا رجوع عنه. لا يجوز أن تذهب القدس هكذا، لا يجوز أن تضيع المقدسات من دون أن نبذل جميعاً دماءنا رخيصة في سبيلها، الحرب ضرورة على أي حال لنرسل من هنا فدائيين ليخربوا المنشآت الإسرائيلية، ويكن ما يكون، ما معنى بقاء عمّان ودمشق والقاهرة بعد أن تضيع القدس؟ لتكن حرباً طويلة المدى، ليكن عندنا ما كان في الجزائر. وأنا شخصياً مستعد لأن أتولى بنفسي قيادة الحركة، أنا مستعد لأذهب إلى الأرض المحتلة، وأن أقود عصابات، ولن أرجع إلا قتيلاً أو جريحاً أو منتصراً".
ويكشف زعيتر عن معارضاتٍ داخلية لحركة الملك حسين في العلاقة مع عبد الناصر. كانت نخب الملك ليست على سوية واحدة، ولها مصالحها، فهي إما وطنية متحفّزة وصادقة، أو ملتحقة وتابعة بالجوار العربي (مصر والسعودية وسورية والعراق أو أميركا)، فيتلقون
تعليمات من الخارج.
بالإضافة إلى إبراز رأي وصفي التالي السابق للنكسة، بعدم التعويل على عبد الناصر، فهو لاحقاً، وقبيل مؤتمر قمة الخرطوم، حين عزم الحسين على السفر إلى مصر يؤكد أن "الأمير حسن – ولي العهد آنذاك – كان يجلس بجانبه، فأبدى معارضته لسفر الملك إلى جمال عبد الناصر، ومال إلى أن الزيارة الأولى قبيل النكسة "أدت إلى ما أدت إليه وقال: عبد الناصر نفسه تعبان في بلاده فلماذا الذهاب إليه" (ص 90). ولكن تدابير الكارثة ليست في الاجتماعات وحسب، فسيطّلع أكرم زعيتر على استغاثة أهالي نابلس ببرقية رئيس بلديتها حمدي كنعان، وكذلك برقية أنور الخطيب عن القدس التي كانت تعاني من مجاعة (ص 68، 91)، وفي ظلال التحضير للسفر إلى مصر سيلتقي الملك بقادة الجيش، مؤكداً على أهمية إعادة بناء الجيش ومؤسساته (ص 120-121).
وهكذا توثق اليوميات ما بعد النكسة أردنياً ببرقيات الرؤساء العرب، أمثال رؤساء السودان والعراق ومصر، إسماعيل الأزهري وعبد الرحمن عارف وجمال عبد الناصر، وملك السعودية، فيصل بن عبد العزيز، وعبد المنعم رياض، لكن أكثرها تلك المتبادلة مع عبد الناصر.

أكرم زعيتر في الطائرة إلى مؤتمر القمة العربية في الخرطوم، مع الملك حسين وبهجت التلهوني

يبدو وصفي التل أكثر الشخصيات قرباً من زعيتر، ولكن تفضيل صاحب اليوميات وصفي على بقية رجال الملك لم يمنعه من نقده أحياناً، أو التشكيك في بعض رواياته، مثل حديث زعيتر عن مذكرة وصفي التل التي قدمها للملك حسين يوم 18/8/1968، إذ يقول: "قال لي وصفي إنه قابل الملك، وحدّثني عما قاله للملك والنصائح التي أسداها وكان وصفي يكرر بعض عبارات يزعم أنه قالها للملك، وهي شديدة وقاسية، أشك كل الشك أن يكون قد وجهها للملك.." (ص 238). وعند أكرم زعيتر موقف واضح من السياسات العامة ومواقف حركة فتح، ونقد للفدائيين وسلوكهم داخل الأردن.
يختلط في اليوميات حسّ الموثق، مع صانع الحدث، ومع المعاصر له، والمشارك في القرار
أحياناً، فتفتح تثبيتات الحوادث والبلاغات العسكرية إبّان أحداث أيلول الباب واسعاً على قراءة رواية محايدة قدر الإمكان، ورأي معتدل في المعارضة واليسار والمقاومة وحركة الفدائيين. إذ يقطع زعيتر بصراحة واضحة برأيه بالفدائيين الفلسطينيين، قائلاً: "ليس أضرّ على قضيتنا الفدائية من حَرفِ الفدائيين عن عملية التحرير المقدسّة إلى حرب طبقية لا يستفيد منها إلا العدو.." (ص 393). ولاحقاً سوف تزداد حركات المواجهة، وستنشأ محكمة الثورة من قبل الفدائيين لكل من يحيد عن خطهم من الفلسطينيين. وسيهاجم الفدائيون مبنى البريد الآلي بوسط البلد في عمان، هذا كان معناه أن قوة الفدائيين زادت ونمت في الأول من أيلول 1970، وستعبر حركتهم عن قوتها بمحاولة اغتيال الملك حسين في منطقة عين غزال في طريقة إلى مطار ماركا لاستقبال ابنته الأميرة عالية (ص 399). عندها سيلجأ الملك إلى مخاضة ماء، ويعود موكبه إلى حيث قصره في منطقة الحمّر، و"كانت ثياب الملك مبلولة وملوثة بالوحل والماء" (ص 404).
وكما أنّ زعيتر ينتقد المقاومة، إلا أنه ينتقد النخب الفاسدة، ويستنكر عليها التفريط بالأردن، وعدم الوقوف مع الملك، وعملها لأجل منافعها. ولذلك سنجد صورة سلبية لبعض القادة من رؤساء حكومات ووزراء ونواب، كما أنه يقدّم نقداً مباشراً لبعضهم على تشدّدهم في مواجهة الفصائل الفلسطينية، وخصوصاً مدير المخابرات، محمد رسول الكيلاني، الذي وصفه بأنه يوزع الاتهامات شمالاً ويميناً. وفي الوقت نفسه، ثمة نقد وموقف واضح من سياسات الدولة الأردنية والحكم، ولكن باعتدال ودونما شطط.

حين غضب الملك والطريق إلى أيلول
داخل بلاط الملك حسين، يبدو زعيتر عاملاً بالسياسة بأخلاقيات عالية، في ظرفية حرجة ودقيقة. ومع ذلك، كان في وسعه أن يَبقى مثقفاً اعتراضياً مستقلاً يمارس النقد، ولا يجامل الملك لأجل مصلحة البلد، فيقول رأيه على طاولة المشورة اليومية للملك دونما وجل، فيحاول
 تعديل ما أمكنه من قرارات وسياسات في مواقف حرجة وصعبة، فيقول، في إحدى رواياته عن نيّة الملك حسين تأليف وزارة بصبغة عسكرية في أغسطس/ آب 1967، وتعيينه فيها وزيراً للتربية، بالإضافة إلى تعيين عبد الحميد شرف وزيراً للخارجية، والبقية كانت وجوهاً ذات صبغة أمنية وعسكرية، ومنهم المشير حابس المجالي ومحمد رسول الكيلاني مدير المخابرات ومعن أبو نوار مدير الأمن العام آنذاك ورشيد عريقات أحد كبار ضباط الجيش، فما كان من زعيتر حينئذٍ إلا أن تسارع غضبه، وحاول ثني الملك حسين عن قراره، وليغضب الأمير حسن ولي العهد آنذاك، من حدّة كلام زعيتر الذي لم ييأس من تعديل موقف الملك، وما عزم عليه. حتى قال له الحسين: "أتعبتني، يا أكرم، فقال له أكرم: وسأتعبك وسأتعبك، أنا هنا جئت لأتعبك إذا كانت النصيحة تتعبك سيدي". وهنا نهض الملك، وأقبل على أكرم وقبله وعانقه واعتذر له (ص 116-117).

في زيارة الملك حسين طهران 1966
في موازاة دائرة الملك وحاشيته، اهتم زعيتر برجالات فلسطين وقضيتها خارج الحديث عن الفصائل، فأورد زيارات نخبها عمّان، ولقاءاتهم فيها، أمثال حمدي كنعان وحكمت المصري، ومحاولاتهم تخفيف الوضع عن أهالي الضفة الغربية بعد حرب 1967.
وتستغرق أحداث أيلول من مقدمات وحيثيات وبرقيات ونداءات وبيانات ووفود عربية وعمليات اعتقال وخطف طائرات وتصريحات عربية وأردنية الصفحات 400 - 518 التي كان منها تجدد الأحداث في إربد وجرش في 17/ 11/ 1970، بيد أنّ المهم في هذا التوثيق هو تقييم زعيتر نفسه حوادث أيلول (ص 570)، وهو تقييم محايد، إذ انتقد زعيتر الفدائيين بقوله: "اليوم (9/11/1970) دخلت اتفاقية القاهرة وبرتوكول عمّان المرحلة النهائية للتنفيذ، وقد ظلّت الشائعات تدور من أيام (..). لقد اعتدنا أن نُشير إلى الأجنبي كلما وقعت واقعة: نزعم أنّ ما جرى هو وليد مؤامرة أجنبية أو دسيسة (...) وعليه فإنني أقول: وأثق كل الثقة بما 
أقول، وأحب أن أبدأ بالحديث عن مسؤولية الفدائيين أنفسهم، فأقول: إن عناصر الفدائيين ألزمت نفسها بشعاراتٍ لا تمت في اعتقادي إلى التحرير بصلة، فهي تدعو لنسف الأنظمة (...) وأنّ الطريق إلى تل أبيب هي عمّان، فتحرير عمّان يجب أن يسبق تحرير فلسطين، وهي تردّد شعارات الخيانة والعمالة والرجعية".
ويضيف زعيتر، في نقد مجتمع الفدائيين، مبيناً سطوتهم وتجاوزهم بقوله: "تدخلّ الفدائيون في كل أمر، وكأنما هم الدولة، وظهرت بعض جرائدهم (كالشرارة) خاصة التي تتكلم باسم نايف حواتمة (..) تُحرّض تحريضاً سافراً ضد الدولة.. وباسم حماية الثورة، مكّنوا بعض السياسيين الطامحين من الاتجار بالحركة الفدائية، فلزموا جانب فريق، وتنكّروا لفريق، وبلغ من سطوتهم و"شارعيّتهم" أن أصبح تأليف الوزارات منوطاً بإرادتهم ورضاهم، فإذا ترشّح عبد الوهاب المجالي للحكومة، قالوا: فيتو، فعُدلَ عن تكليفه، وإذا رُشح أنطوان عطالله وعبد الحميد السائح وداود الحسيني للدخول بالوزارة قالوا: إذا وافق أبو عمار دخلنا (...) وعِلة العلل تدخلهم في الشؤون الداخلية تدخلاً لم تبق معه للدولة سيادة، وبلغ التأزم والتحريض الذروة، حين أعلنوا عن عصيان وإضراب عام حتى تقوم سلطة وطنية.." (ص 575).
هذا التقييم الصريح الذي وصّف به زعيتر مجتمع الثوار والفدائيين في عمّان، وتجاوزهم على الكيانية الأردنية، لم يحل دون نقده الحكومة والحكم في الأردن، بقوله: أما مسؤولية السلطة في عمّان فهي ضخمة، فالحكم في الأردن قد تولاه مدة طويلة من لا يهمهم إلا تحقيق منافعهم الخاصة، وقد تفشّت الرشوة وانتشر الفساد، وأدهى من ذلك هو تمييع الحكم، واللاأبالية التي تعالج بها الحكومة الأمور، إنّ البلد لم تكن بها حكومة، إنها غائبة (...) والتهريب جهري علني، والمطبوعات تقذع في الحملة على الدولة (...) والتلهوني وأضرابه يوهمون الملك أنهم يسيطرون على الفدائيين، وأنه لولا وجودهم في الحكم لتصرّف الفدائيون تصرّفاً يهدد الملك نفسه.. ولو كان في البلد حكم حازم صارم عادل نزيه مستقيم، مختص، لما تدهور به الحال إلى هذا المستوى الحطيط (...) بلغ الفساد في أجهزة الدولة مبلغاً شُلت معه الحياة النيابية" (ص 572).

من اليمين: بهجت التلهوني، أكرم زعيتر، وصفي التل، سعيد المفتي

ويستمر زعيتر، بعد هذا التقييم، في توثيق انقلاب حافظ الأسد في سورية في 16/11/ 1970، واعتقال قيادات حزب البعث، بما جعله مهيمناً على الحكم. وتتجدّد الأحداث ويطلق الرصاص بجرش وإربد وعمّان، وصولاً إلى خطاب العرش في شهر ديسمبر/ كانون الأول 1970، ثم تنشط الاشتباكات في الشمال، ويصف مخيم البقعة. وفي الوقت الذي كانت تبذل فيه الجهود لوقف التوتر، كان معمّر القذافي في استقبال حافظ الأسد في ليبيا يلقي خطاباً عنيفاً:" يهاجم فيه الأردن... والأنظمة الملكية.." (ص 569)، كما سيكون نائب رئيس مجلس قيادة الثورة في العراق، حردان التكريتي، أيضاً بالغرابة نفسها، حين يشتم الأردن في تصريحات صحافية، ويستغرب زعيتر أنه حين التقى بولي العهد، الأمير حسن، بعد يومين، على متن طائرة متجهة إلى زامبيا، أخذه بالأحضان!!
فصل الكلام، يوميات زعيتر هي رواية المُفصل لمنعرج تاريخي، كان فيه الوجود الأردني على المحك، وكانت فيه الدولة الأردنية في لحظةٍ صعبة، والنخب فاسدة والمخلصون لها قلة.
F1CF6AAE-3B90-4202-AE66-F0BE80B60867
مهند مبيضين
استاذ التاريخ العربي الحديث في الجامعة الأردنية، ويكتب في الصحافة الاردنية والعربية، له مؤلفات وبحوث عديدة في الخطاب التاريخي والتاريخ الثقافي.