إسرائيل تريد محاورة لبنان وتهديده

إسرائيل تريد محاورة لبنان وتهديده

17 يونيو 2019
+ الخط -
من اللافت التزامن بين نجاح إسرائيل ولبنان بوساطة أميركية في التوصل إلى اتفاقٍ لإجراء حوار حقيقي بينهما، لحل الخلافات على ترسيم الحدود البحرية، مع تصاعد لهجة التهديدات العسكرية الإسرائيلية ضد حزب الله وأمينه العام السيد حسن نصر الله. كأنما هناك رغبة إسرائيلية في عدم تفسير هذا الحوار بشأن الحدود علامة ضعف أو تساهل في ما يتعلق بسلاح حزب الله.
لا يمكن الاستخفاف بأهمية المفاوضات الإسرائيلية اللبنانية بشأن ترسيم الحدود وانعكاساتها على الصعيدين السياسي والأمني. وفي اعتراف أكثر من معلق إسرائيلي رصين من المتوقع أن تلجم هذه المفاوضات احتمال نشوب حربٍ جديدة على الجبهة الشمالية لإسرائيل. وعلى الرغم من أن المفاوضات ستقتصر، كما يجرى الحديث عنه في الصحف الإسرائيلية، على البلوك 9 موضع الخلاف بين إسرائيل ولبنان، ولن تتطرّق إلى الخلاف على النقاط الحدودية البرية الـ13، فإن لهذه المفاوضات أهمية في نظر الإسرائيليين، لا تقتصر على الجوانب الاقتصادية من الموضوع، والأكيد أن حدوثها يوجِد وضعاً مريحاً، ويخفف من التوتر.
لماذا والحال هذه رأينا أخيراً ارتفاعاً في وتيرة التهديدات الإسرائيلية الموجّهة إلى حزب لله، والى أمينه العام نصر الله تحديداً؟ وما الغرض من عودة الجيش الإسرائيلي إلى القيام بهجمات تستهدف مواقع لحزب الله في سورية، جديدها القصف الصاروخي لموقع في هضبة الجولان، ادّعى الإسرائيليون أن الحزب يستخدمه لجمع المعلومات الاستخبارية عن تحرّكات الجيش الإسرائيلي في الجانب الآخر من الحدود؟ وما الغرض من التدريبات التي قام بها الجيش الإسرائيلي أخيراً وحاكى فيها نشوب حرب في الجنوب اللبناني، وتضمّن مناورات توغل برّي داخل أماكن مأهولة؟ وما هدف التصريحات الحادة التي أطلقها قائد المنطقة الشمالية ضد الأمين العام لحزب الله؟
جاءت هذه التهديدات مع كلام إسرائيلي عن تغير السياسة المطبقة منذ أعوام، تركزت على 
محاربة التمركز الإيراني في سورية، في أعقاب إبعاد الروس الإيرانيين عن الحدود، بعد اتفاقاتٍ توصل إليها الروس مع إسرائيل والولايات المتحدة. والتهديد الآن يتركّز على حزب الله الذي استغل الفراغ الحاصل بعد انسحاب الإيرانيين من المنطقة القريبة من الحدود، وبدأ بناء قدرات عسكرية واستخباراتية في الجولان، الغرض منها أمران: فتح جبهة في الجولان في حال نشوب أي مواجهة مستقبلية بينه وبين الجيش الإسرائيلي، انطلاقاً من الحدود اللبنانية؛ وبناء قدرات عسكرية تعتمد على مليشيات شيعية وأطراف محلية سورية لشن هجماتٍ على طول الحدود في الجولان، من شأنها أن تزعج إسرائيل من دون أن تتدهور إلى حرب. يضاف إلى ذلك التركيز الإسرائيلي على ملف مصانع تحويل الصواريخ لدى حزب الله إلى صواريخ دقيقة، والذي أثاره أكثر من مسؤول أميركي في محادثاته مع المسؤولين اللبنانيين.
يمكن تفسير هذه الشيزوفرينيا الإسرائيلية في التعاطي مع لبنان بأنها من أشكال الحرب النفسية التي تشنّها إسرائيل ضد حزب الله ولبنان، حكومة وشعباً. ولكن للتهديدات أسباباً داخلية إسرائيلية عسكرية، مثل الإبقاء على درجة جهوزية عالية، وسط الجنود الإسرائيليين، والاستعداد للحرب كأنها واقعة لا محالة، على الرغم من تضاؤل فرص حدوثها، نظراً لأن ليس للجانب الإسرائيلي ولا لحزب الله مصلحة فيها. وهي أيضاً فرصة للقادة العسكريين لتطبيق خلاصات إخفاقات الجيش الإسرائيلي ودروسها في حرب يوليو/ تموز 2006 التي تركت صدمة داخل الجيش، وفي وعي الجمهور الإسرائيلي. وبالإضافة إلى أن تصاعد الكلام عن حرب ثالثة في لبنان يهدف أيضاً إلى زيادة ميزانية الجيش ضمن خطته متعدّدة السنوات، من أجل تعزيز سلاح البر في الجيش الذي سيشكّل أداة أساسية في أي معركةٍ مستقبلية ضد حزب الله في لبنان.
سياسياً، الهدف من المزاوجة بين الحوار على ترسيم الحدود والإعداد لحرب لبنان الثالثة أيضاً ردع إيران عن الاستعانة بسلاح حزب الله ضد إسرائيل، في حال تفاقم التوتر الإيراني ــ الأميركي، وربما لاحقاً خروج إيران من الاتفاق النووي، ما سيشرع الباب أمام شتى احتمالات التصعيد في المنطقة.
لبنان بحاجة ماسّة إلى الثروة الغازيّة في مياهه الإقليمية، من أجل الخروج من ضائقته الاقتصادية الخانقة، وإسرائيل أيضاً بحاجة إلى حل الخلاف، لطمأنة الشركات الأجنبية العاملة في مياهها إلى عدم وجود مخاطر أمنية على استثماراتها. وإدارة ترامب بحاجةٍ إلى تسجيل إنجاز دبلوماسي، من خلال نجاحها في حل الخلاف على ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل، قد يكون الإنجاز الوحيد لديها في المنطقة.
رندة حيدر
رندة حيدر
رندة حيدر
كاتبة وصحافية لبنانية متخصصة في الشؤون الإسرائيلية
رندة حيدر