حرب العلوم بين أميركا والصين

حرب العلوم بين أميركا والصين

16 يونيو 2019
+ الخط -
نجح فريق علمي صيني، في يونيو/ حزيران 2017، في استخدام تقنية "التشابك الكمّي"، لبعث رسالة بين الفضاء والأرض لمسافة 1200 كيلومتر، متفوّقاً على التجربة الأميركية النظيرة التي كانت نجحت قبلها في إيصال رسالة شبيهة لمسافة مائة كيلومتر فقط. والتشابك الكمي هو جزء من فيزياء الكم التي يمكن من خلالها التحكّم في الجسيمات دون الذرية عن بعد، بالاستفادة من خاصية تأثر الجسيمات المتشابكة بعضها ببعض، بسرعة تفوق (نظرياً) سرعة الضوء، وهذه الفيزياء "الجديدة" هي التي ينتظر أن تنتقل بالتكنولوجيا والاختراعات إلى مجالات ونوعية لم يطرقها البشر بعد.
على هذا، لا يبدو دقيقاً القول إن الحرب بين الولايات المتحدة الأميركية والصين هي اليوم تجارية، بل الصحيح إنها حربٌ في العلوم، سيكون ممكناً لمن يتفوّق فيها أن يتفوّق عسكرياً وسياسياً واقتصادياً، تماماً كأثر الثورة الصناعية على عالمنا الذي جعل أوروبا، منذ نحو ثلاثة قرون، قوة ناهضة في المجالات كافة، غيّرت الدنيا تماماً.
يتركّز الحديث اليوم على استهداف الولايات المتحدة شركة هواوي الصينية، الرائدة في مجال التكنولوجيا، لتمكّنها من امتلاك تقنيات الجيل الخامس من الاتصالات، والتفوّق في أجهزته وصناعاته على الشركات الأميركية، ما يشكل تهديداً تجارياً لأميركا من جهة، وتهديداً أمنياً من وجهة نظر إدارة دونالد ترامب من جهة أخرى. ولكن مسألة هواوي ربما تكون الجزء الظاهر من جبل الجليد ليس إلا، تماماً كما أن التطور في جودة الصناعات الصينية خلال السنوات العشر الأخيرة، خصوصاً صناعات التكنولوجيا ووسائل النقل، ليس إلا الجزء الظاهر مما طوّرته بكين من صناعاتٍ كبيرة ومؤثرة، تعرفها الولايات المتحدة من دون شك، وتمتد من علوم الفضاء إلى المسائل الأمنية.
أعلنت الصين، في مطلع العام الجاري (2019) مثلاً، نجاحها في إنزال مسبار على الجانب
المعتم من القمر، وهو أول هبوط للإنسان على هذا الجانب من القمر، ما اعتبر نقطة تحول مهمة في استكشاف الفضاء. وفي العام المقبل، تنوي الصين إطلاق مسبار يدور حول المريخ، ويهبط على سطحه. وإذا كانت الصين تعترف بأن الولايات المتحدة وروسيا وأوروبا لا تزال متفوقة عليها في مجال الفضاء، فإنها تخطّط لأن تسبقهم جميعاً بحلول العام 2045.
وعلى هذا، تفيض الحرب بين الولايات المتحدة والصين عن حدود التكنولوجيا المعلومة، والتقنيات المخترعة، والشركات التجارية، والضرائب على البضائع. إنها سباقٌ نحو المستقبل، تريد فيه الولايات المتحدة عرقلة تقدّم الصين، وتسعى فيه الصين إلى لعب أوراقها الممكنة مع العالم؛ وخصوصاً روسيا وفرنسا وألمانيا، ومعهم كل الدول التي تقاربت مع الصين، بفضل مبادرة الحزام والطريق، لمواصلة نهوضها العلمي الذي يعني، بكل تأكيد، نهوضها الأمني والسياسي والتجاري، بقفزاتٍ واسعة إلى الأمام. ولكن الحقيقة أن أحداً لا يعرف المخفي من دوافع هذه الحرب، ما يتعلق بتطوير العلوم والاختراعات التقنية، إلا القيادات السياسية والأمنية في البلدين، ويخطئ من يظن أنه يبصر جبل الجليد كله.
في نظرة إلى موقع العالم العربي من هذه المعادلة، يمكننا أن نفهم معنى أن تكون أمّة "خارج التاريخ"، على الرغم من أنها تعيش مع الأمم الأخرى على الكوكب نفسه. يعيش خارج التاريخ كل من لا علاقة لهم بتطوير العلوم اليوم. هذه العلوم القائمة الآن على فيزياء كان رفضها ألبرت آينشتاين نفسه، لكن التجارب أعادت إثباتها، وفتحت عيون البشرية على فهمٍ جديدٍ للكون، وما يجري فيه من تفاعلات وتشابكات، تكاد تكون حلماً أو سحراً أو جنوناً.
وبينما لا يزال العرب يصرّون على أن أوراق اللعب كلها بيد أميركا، كما قال أنور السادات يوماً، يهملون فرصاً كبرى تتاح لهم لتعليم أبنائهم التكنولوجيا الحديثة، وفتح عقولهم على ما يفكر فيه العالم مستقبلاً في مجالات الفيزياء والتكنولوجيا، وبناء علاقة وثيقة عميقة مع القوة العالمية الصينية الصاعدة، على أساس تبادل المصالح معها، راضين باستلابهم للغرب الذي سيظل يعاملنا بفوقية واستعلاء، وينظر إلينا حقلاً للنهب، ومكتفين بأحلامهم وأوهامهم وتعلقهم بماضيهم، ومنشغلين بحروبٍ بينيةٍ مفتعلة، لا طائل من ورائها.

دلالات

1E93C99F-3D5E-4031-9B95-1251480454A7
سامر خير أحمد

كاتب أردني من مواليد 1974. صدرت له سبعة كتب، أبرزها: العرب ومستقبل الصين (بالعربية والصينية)، العلمانية المؤمنة، الماضوية: الخلل الحضاري في علاقة المسلمين بالإسلام، الحركة الطلابية الأردنية. رئيس مجموعة العمل الثقافي للمدن العربية.