من يأخذ بالسيف

من يأخذ بالسيف

15 يونيو 2019
+ الخط -
في نهاية عام 1979، وبمناسبة إعداد وثائق المؤتمر الخامس للحزب الشيوعي (في سورية)، المكتب السياسي، زرت، بمعية رياض الترك وفايز الفواز، الأستاذ إلياس مرقص في بلدة صلنفه، بعد أيام قليلة من انتصار الثورة الإيرانية الذي نشرت صحيفة الحزب افتتاحية احتفائية حوله بعنوان: رياح الحرية تهب من الشرق. ما أن جلسنا، حتى سأل الراحل الكبير: من منكم كتب هذه الافتتاحية؟ وأضاف من دون أن ينتظر الرد: الله يكسر ديّاته. عم تحكوا عن رياح الحرية، روحو يا حلّو الحزب يا تسلحو. سكت برهة، ثم رفع إصبعه، وقال بالفصحى: بدأ زمن الذبح.
ذهلنا مما قاله الرجل، لكننا صعقنا منذ عام 1980 بسبب حجم الذبح الذي لم يتوقف، أو يوفر شعوب المشرق والجزيرة العربية، بعد عام من انتصار ثورة ايران بقيادة الخميني، الذي بايع نفسه نائبا بصلاحيات كاملة للمهدي المنتظر، وكانت أولى قراراته، بعد إعدام عشرات آلاف الضباط والإداريين واليساريين والشيوعيين، تصدير الثورة إلى الجوار، بدءاً بالعراق، لاعتقاده أن وزن الشيعة فيه يجعل استيلاء طهران عليه مسألة وقت.
بالتزامن مع ذلك، شهد المشرق حدثين: اختراق سورية إيرانيا، انسجاما مع قيام نظامها على سلطة طائفية تحالفت مع طهران، وأسهمت في حربها ضد العراق، فكان ذلك أول تحالف مذهبي يشهده العصر الحديث بين دولة عربية وأخرى أجنبية، وكانت حربه ضد دولة عربية بداية تبدل مفصلي في بنية الوطن العربي وتوازناته، أدخله في حقبة جديدة بمفرداتٍ وممارساتٍ لم يسبق أن اعتمدت منذ استقلت الدول العربية، انخرطت فيها دولة تدّعي أنها عربية وقومية ووحدوية وبعثية!
باختراق سورية إيرانيا، قبل إسقاط العراق أميركيا وتقاسم مناطق النفوذ فيه مع طهران، كان من الطبيعي أن يشرف الأسد على تأسيس حزب الله: القوة التي قوّضت توازنات لبنان وهويته، وربطت مصيره بإيران التي نظمت الحزب، ودربته وسلحته كجهة طائفية مهمتها الاستيلاء على دولة لبنان الشرعية، أسوة باستيلاء طهران على الأسدية ودولة سورية، والقيام بدور فصيل من الحرس الثوري يرابط على الساحل الشرقي للمتوسط، لينفذ ما كان الحرس سيكلف بها، لو كان هو الذي احتل لبنان.
يشي انتقال سورية من التحالف مع إيران زمن الأسد الأب إلى التبعية لها زمن ابنه بهوية الجهات الإيرانية التي قررت إغراق الشعب السوري بدمائه، بعد شعب العراق، ورسمت خطط القتل، وبادرت إلى تنفيذها بأيدي مئات القناصة الذين أرسلتهم إلى مدن سورية، للتصدّي للمتظاهرين، تمهيدا لإشراك حرسها الثوري في حربٍ منظمةٍ على السوريين، في حمأة تصريحاتٍ رسميةٍ تؤكد أن سورية كالعراق، لم تعد عربية، بل غدت محافظةً إيرانية وموقعا أماميا يدافع الحرس فيه عن طهران، إن انهار، سقط الملالي بدورهم.
هل يعرف أحد كم سال من دماء في جوار إيران العربي منذ عام 1980، حيث صرف التحول من النزعتين الوطنية والقومية إلى النزعتين الطائفية والمذهبية عرب المشرق عن أهدافهم التاريخية التي ربطوا بها التحرّر من السيطرة الامبريالية، وزجّتهم في صراعاتٍ هشمت مجتمعاتهم ودولهم، وقوّضت حريتهم وقدرتهم على الخروج من تأخرهم المديد؟
كم إسرائيليا قتلت إيران الإسلامية مقابل كل مائة ألف عربي؟ وهل كان دعمها الحوثيين والأسديين في اليمن وسورية سلميا، أم انه أدخل شعبيهما إلى المسلخ الدموي الذي ذبح شعبي سورية والعراق بالسلاح، ويهدّد لبنان بذبحهم به؟
يقول المسيح: من يأخذ بالسيف، بالسيف يؤخذ. بعد أربعين عاما، أخذت إيران جوارها خلالها بالسيف وحده، ويؤكّد سلوكها أنها لن تخرج منه بقرار دولي، لأنه خاضعٌ في نظرها لسيادتها الدولتية، فلنعد أنفسنا إذن للغرق في بحار جديدة من الدماء، بقرار إيراني، ولنأمل أن يكون آخر قرارات القتل، لأن الملالي لن يكونوا في السلطة ليتخذوا غيره.
E4AA2ECF-ADA6-4461-AF81-5FD68ED274E9
ميشيل كيلو

كاتب سوري، مواليد 1940، ترأس مركز حريات للدفاع عن حرية الرأي والتعبير في سورية، تعرض للاعتقال مرات، ترجم كتباً في الفكر السياسي، عضو بارز في الائتلاف الوطني السوري المعارض.