حاربوا الفكرة لا الشخص

حاربوا الفكرة لا الشخص

15 يونيو 2019
+ الخط -
مفهوم الكراهية، سواء كان خطاباً عنصرياً أو سلوكاً تمييزياً تجاه الآخر، هو ما أدى عملياً إلى المجازر والإبادات على مرّ العصور. كانت الكراهية حافزاً أساسياً لتطبيق مبدأ إلغاء الآخر، وأشعل حروباً وقضى على شعوبٍ وتجمّعات. وهو، بعد تراكمات كثيرة، ما دفع دولاً عدة لمحاربة الكراهية في قوانينها ودساتيرها، لأن الغاية المركزية لهذه الدول هو الإنسان، أي أن تكون القوانين في خدمة الإنسان، لا الإنسان في خدمة القوانين. في لبنان، بدأت تتشكّل أخيراً ظاهرة من هذا النوع، لمحاربة الكراهية. هو أمر جميل، وخصوصاً أن التراكمات العنصرية التي أفرزها المجتمع اللبناني، بمختلف طوائفه ومذاهبه، فضلاً عن كون تركيبة النظام مُحفّزة للعنصرية أساساً بعنوانٍ طبقي، تجذّرت في ذهنية التفكير لدى معظم اللبنانيين. وغنيّ عن التعريف أن أكثرية الشعب اللبناني حالياً هو من سلالة اللاجئين عبر التاريخ، أو الهاربين من قمع أمم وممالك في الشرق الأوسط، بحثاً عن الحفاظ على حرية دينية أو قومية أو لغوية. وهو ما يعني، وبحسب السلوك الاجتماعي، استمرارية العنصرية لدى هؤلاء اللاجئين أساساً، وبالتالي استمرار الكراهية، على اعتبار أن "الآخر لا يزال موجوداً ويُشكّل خطراً علينا". وهو خطابٌ يتكرر في كل فترة زمنية، ويصنع "زعاماتٍ" مرحلية مبنية على مرتكزاته.
عليه، يتمّ تحفيز ترسّبات الماضي بشكل دائم، سواء بالسطوة المتواصلة لرجال الدين والطوائف عموماً، أو في طبيعة النظام الطائفي الهشّ، لكنه قوي في هشاشته، أو في ديمومة المشكلات الإقليمية الدافعة لاستمرار العنصرية والكراهية، من دون وجود محاولةٍ جدّيةٍ لكسر هذا الطوق والذهاب نحو دولة علمانية، تحمي الجميع تحت ظلالها. من الطبيعي أن الإنسانية تفرض عليك في أعماقك، إذا عزلت نفسك عن المؤثرات الدينية والعرقية والقومية وغيرها، وأزلت مسببات الكره تجاه الآخر، النظر إلى الجميع كما تنظر إلى نفسك في المرآة. وإذا ما اعتمدت هذه النظرية، سيُصبح هدفك محاربة الكراهية انطلاقاً من هذا المبدأ، لا المحاربة لأن من يصنع الكراهية، وفقاً لك، هو شخص تكرهه أساساً مهما فعل. يكفي هذا الأمر للإشارة إلى أنك لم تخرج من الدوامة بعد.
طبيعيٌّ أن تخطئ كل حركة في بداياتها، هذه حتمية الأمور وحقيقة الحركية، ولكن من الضروري إصلاح أي خطأ بسرعة، كي لا يتمّ بناء مدماك إنساني على مجموعة أخطاء، ما يؤدي لاحقاً إلى انهياره. لا تنسوا عام 2015، وتحديداً "صيف النفايات" فيه، جعلنا نحلم ببناء دولة حقيقية لكل مواطنيها، وانتهينا بعد أربع سنوات إلى تنشّق الروائح الكريهة الناجمة من تراكم النفايات غير المعالجة يومياً في العاصمة بيروت وضواحيها، من دون أي حلّ فعليّ لهذه الأزمة. وقتها، بُني كل شيء على عجلة وعلى خطأ. استمرّ الخطأ ولم تتمّ معالجته، لينهار ما توهمناه "هيكل التغيير" فوق رؤوسنا.
اليوم الجميع يعلم أن العنصرية هي الموجة السائدة في العالم. الشعبويون في كل مكان. في أميركا وأوروبا والعالم العربي وصولاً إلى لبنان. ربما يقول هؤلاء بالعلن ما يقوله آخرون بالسرّ. العنصرية تصنع الكراهية، وللقضاء على العنصرية يجب البدء بمحاربة الكراهية، ومحاربة الكراهية لا تعني كره الشخص الذي يطرح العنصرية حلاً لكل مشكلاته، بل محاربة أفكاره وسلوكه. في لبنان، خطأ صغير يتحوّل إلى أزمة طائفية. هذا واقع، ولو أنه واقع مزرٍ. محاربة الكراهية تبدأ في إخراج البدائل من الظلمة إلى النور، وإقناع الرأي العام أنه تمّ إرهابك قرونا طويلة باسم العنصرية، فقط للمحافظة على كرهك الآخر، على وقع تكريس آخرين سلطتهم الدينية والسياسية. على الرأي العام أن يلمس حقيقة خطر العنصرية، لا "إيجابياتها"، وذلك عبر نشر الأفكار الإنسانية والإشارة إلى حجم الحرية والتحرّر النابعين من هذه الأفكار، لا توجيه المعركة نحو شخصٍ وبمفهومٍ شخصي، وإلا سننهار كما في صيف 2015.
6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".