موصل العشاق.. أين أنت؟

موصل العشاق.. أين أنت؟

14 يونيو 2019
+ الخط -
تمر علينا الذكرى الخامسة لنكبة حزيران المؤلمة، والتي عصفت بأهالي محافظة نينوى، ومدينتها المدللة العزيزة الحبيبة (الموصل). المدينة التي تشتهر بتنوّع أطيافها وأعراقها، وكان أهلها في يوم مثالاً للتآخي والمحبة، (400 كم شمال العاصمة بغداد)، ثاني أكبر مدن العراق، وسميت الموصل لأنها نقطة وصل بين مدن شمال العراق وجنوبه. كما أنّ لها مركزاً استراتيجياً لما لها من أهمية في الربط بين العراق وسورية من جهة، والعراق وتركيا من جهة أخرى.
يبلغ تعداد سكانها حوالي ثلاثة ملايين نسمة، معظمهم من العرب السنة، كما تضم الكرد والمسيحيين والتركمان والإيزيديين المترابطين فيما بينهم كالجسد الواحد، إذ كانوا على هذا الحال منذ قرون. والموصل هي مركز محافظة نينوى التي يمر من خلالها نهر دجلة الذي يقسم المدينة إلى شطرين، ساحلي المدينة الأيمن والأيسر.
وتعتبر نينوى من المحافظات الغنية جدا، لما تحويه من مخزون نفطي هائل وموارد طبيعية أخرى، أهمها الزراعة، فضلا عن ورش صناعية كثيرة متنوعة. تراجعت نينوى، والموصل تحديدا، في عطائها وتأثرت سلبيا كما تأثر العراق من بعد الاحتلال الأميركي عام 2003. وبدأ سرطان الإرهاب ينهشها شيئا فشيئا، حيث طاول التدمير والخراب معظم مفاصل الحياة، وأصبح الأمان لا وجود له في البلاد، وشبح الموت القاسي يطارد الجميع أينما كانوا، وبقي الحال هكذا إلى صبيحة يوم العاشر من يونيو/حزيران عام 2014، حيث تغيّرت الوجوه وفتحت الحدود، وأصبحت المدينة فريسة سهلة لكل من هب ودب، المدينة التي كان المفترض أن تحميها الفرق العسكرية الثلاث الموجودة هناك، والمدججة بالسلاح، فضلا عن أفواج الشرطة المحلية، إلا أنّ أمرا ما حدث أو مكيدة دبرت بليل ضد الموصل وأهلها. هذا ما تناقله أهالي المدينة في هول ما حدث، فقد دخلت مجموعة قليلة من الدواعش إلى الجزء الشمالي الغربي من المدينة، عددهم 300، بحسب القادة العسكريين العراقيين. وقد قاوم بعض من منتسبي الشرطة والشرطة الاتحادية هذه المجاميع الإرهابية، إلا أن مقاومتهم كانت محدودة وغير مركزية. والطامة الكبرى الانسحاب المفاجئ لجميع القوات العسكرية من الموصل من دون مقاومة تذكر، ومن دون سبب مقنع لانسحابهم، على الرغم من إيفاد ثلاثة قادة عسكريين من بغداد.
لم ولن يشفع هذا للموصليين، فتركوا فريسة سهلة لأعداء الإنسانية والسلام والمحبة بل أعداء الإسلام، ودخلها الغادرون بسلام. الموصليون لا يدرون ماذا يفعلون، فهم مغلوبون على أمرهم، ويعلمون مدى إجرام هذا التنظيم الدموي، فأخذ الأهالي بالنزوح عن مدينتهم، فمنهم من قصد القرى المجاورة، ومنهم من توجه إلى المحافظات القريبة والأكثر أمناً، واستمر النزوح عدة أيام، فترى الناس حيارى، فقد تركوا إلى مصير مجهول، وبقي في المدينة من لم يستطع النزوح، أو من كانت لديه ارتباطات تجارية أو اجتماعية تفرض عليه البقاء.
ومرت الأيام والشهور، وبدأ تنظيم داعش يبرز عضلاته ومخالبه على المدنيين، وأخذ يصدر أوامر وقوانين فوق طاقة البشر، فضلا عن نهبه أموال المسيحيين والاستحواذ على ممتلكاتهم. ولم يكتف بهذا القدر، فقد هدم وفجّر أهم المقدسات الدينية لدى الشعب العراقي، أهمها جامع النبي يونس الذي أبكى أهالي نينوى، وذرفوا لأجله بدل الدمع دما، لأنه يُعد من أشهر وأقدم الجوامع في الموصل، فضلا عن جامعي النبي جرجيس والنبي شيت. كما طاول التفجير معظم المقامات والكنائس وأماكن العبادة لجميع الطوائف. ولم تسلم من أيديهم المناطق الأثرية، كمنطقة النمرود والحضر التي تحوي أقدم وأهم الآثار العراقية.
احتارت الأقلام في كيفية تدوين جرائم داعش بحق الإنسانية وتوثيقها. وقد تنوعت الكتابات والأقاويل عن الأسباب والمسببات لهذا المصاب الجلل، فالمتهمون بالتقصير كثر والضحايا أكثر بكثير، لكننا لم نر إلى هذه اللحظة أية عقوبة ضد المقصّرين.
ها وقد مر أكثر من عامين على تحرير المدينة، وبوادر الخير قليلة جدا، سوى بعض الأعمال الخيرية من بعض المنظمات، والدور الخجول للحكومة المركزية، حيث ما زالت البيوت مهدمة والجوامع والكنائس مهدمة ومهجورة.
لم تعد الموصل كما كانت موصلنا، ونهر دجلة لم تعد تزوره طيور النورس، لله درك يا موصل، لم يبق فيك سوى نهر وأطلال من الحجر.
آهٍ، يا موصل الخير، ما أبكاكِ؟ أجسر فيك معلّق أم منارة لم تعد في الأحداق أمْ منازل مهدمة في زقاق، لله دركِ يا موصل العشاق؟
D3F88CA3-6C5C-43B5-A92E-5CAB034CD51C
D3F88CA3-6C5C-43B5-A92E-5CAB034CD51C
عبد العزيز محمود (العراق)
عبد العزيز محمود (العراق)