إعلاميون في سوق النخاسة الإلكتروني

إعلاميون في سوق النخاسة الإلكتروني

09 مايو 2019
+ الخط -
"كم وجبة إفطار تشتري قيمة مئات الصواريخ التي أطلقت من غزة"؟ هذه ليست أحجية في الحساب والتموين وعلم الاقتصاد. والسؤال ليس أحد أسئلة من يربح المليون، وليست غزة وحدها تصنع الصواريخ، والصناعة الحربية تتباهى بها الأمم، وهي مصدر قوتها الأولى، وغزة تصنعها في أدنى الشروط الصناعية وأكثرها حرجاً، وصواريخها تشبه المعجزة. ليست تغريدة، هي زفرة إنسانية الجلد، بهيمية الروح، تضمر توفير وجبة الإفطار وشهر الصيام، أطلقها إعلاميٌّ معروفٌ بالحنان والرأفة والعطف والعروبة والإنسانية، ولم يذكر الحصار ولا الاحتلال، وهي من شروط حل المسألة الحسابية عقلاً وشرطاً، القصد منها لوم الضحية واختصاره إلى حاجات الجسد. ولا يمكن الشراء، فالمشكلة ليست المال، وإنما الحصار. ومثل هذا صحافي لبناني ثانٍ، بكى على أرامل غزة، وطرح الأفكار الديجتال، عندما شمت في مقال بقتل نزار الريان، وهو يحاول أن يفهم كيف يتزوج قائد محاصر جائع أربع نساء، فغزة محاصرة منذ اثنتي عشرة سنة. وكان صاحب المقال أذكى من صاحب الزفرة. أشد المجرمين جرماً يدافع عن جريمته بصبغها بالصبغة الإنسانية.
كشف الناشطون أن الأحجية المذكورة تغريدة قديمة "للحاج" أفيخاي أدرعي، وقد تكون وقعاً للحافر على الحافر، فالقلوب عند بعضها، والحوافر على بعضها. ذكّرتني التغريدة العطوف بتغريدةٍ أخرى لجندي مجهول من أهلنا هذه المرة، يقول: صاروخ أميركي ثمنه مليون دولار يطلق على راعٍ في الصحراء يكسب دولارين في الشهر. والغرض من الصاروخ الصدمة والترويع والتشفّي، فالراعي سينجب أولاداً يهدّدون أصحاب الصاروخ. وقد ردّ النشطاء على الإعلامي الرؤوف، فذكر أحدهم أن ثمن الصاروخ يشتري آلاف وجبات العلف لأمثاله، وتذكّر ثانٍ نكرانه قتل جمال خاشقجي، وثالث ذكّره بيختٍ عظيم البخت، وثمن لوحة المسيح المزيفة التي تطعم شعباً محاصراً، وأجور المطربين والفنانين في هيئة الترفيه. ولم يعاتب صاحب الأحجية ملوك إحدى وعشرين دولة عربية، ولا حق الدفاع عن النفس الذي تشرّعه جميع القوانين. وسبق هذه التغريدة خبر يذكّر بأمر السلاح والدفاع عن النفس، يقول: إن أميركا طالبت حركة طالبان، وهي تفاوضها، بإلقاء السلاح شرطاً لإكمال المفاوضات، فقالت "طالبان": لو ألقينا السلاح ما جلستم معنا للمفاوضات. وكانت هذه الصواريخ توصف بالكرتونية تبخيساً لها، والعدو لشدة حرصه على حياته يخشى من الكرتون، ومن مدفع رمضان. والصواريخ لا تحتاج إلى أموال كثيرة، فهي تصنع من حواضر البيت، ولا تستورد بالعملة الصعبة، ولن نذكّره بالآية التي تقول: "وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ "، كما أن حركة حماس لا تقتل اليمنيين ولا السوريين، فهي تقاتل عدواً محتلاً.
سلّم صدام حسين أسلحته الاستراتيجية، فانفردت به أميركا، وسلمت سورية السلاح الكيميائي الاستراتيجي مقابل السكوت عن جرائمها ضد شعبها، وستأتي ساعة الحساب، أو ساعة نهاية الخدمة. إعلامي فلسطيني من الذين يبيعون قوة عضلاته الإعلامية يقول إن سبب إخفاق الثورة السورية هو الخوذ البيضاء. وبما أننا في رمضان، وفي رمضان تسعى كل التلفزيونات العربية إلى حديث ديني يذكّر الصائمين بالآخرة والتقوى، فقد استقدمت قناة أبو ظبي رسول الحداثة العربية، الداعية أدونيس، ليهاجم الإخوان المسلمين، في برنامجٍ عنوانه "لعلهم يعقلون"، وهذه آية مقتطعة من سياقها. والبرنامج يحارب القرآن وأهل القرآن، ويعزو إلى "الإخوان" كل الهزائم العربية، وليس إلى حافظ الأسد ومخابراته، ولا مبارك ولا السادات، ولا عبد الناصر، ولا القذافي، وكأن "الإخوان" هم الذين حكموا هذه البلاد بالحديد والنار، وقتلوا آلافا في السجون، ويعود إلى التذكير بأسطوانته القديمة عن الجامع، وكأنه يريد أن تخرج المظاهرات من جيبه أو غليونه، وفي إعلانات البرنامج لم نجد فكرة واحدة جديدة. ومن يدري قد نرى في السنة التالية أفيخاي أدرعي مكانه في البرنامج.
كان العبيد القدماء يقدّمون خدمات عضلية لأسيادهم. والعبيد الجدد يقدمون الخدمات الالكترونية في عصر الديجتال، والمسألة شريط وراثي. القضية هي الحامض الريبي النووي منقوص الأكسجين ( D N A). وكما بدأنا بأحجية نختم بأحجية: من هو الكائن الذي يمشي على أربع، ثم يمشي على أربع، ثم يمشي على أربع؟
683A43FF-D735-4EBA-B187-3AC9E42FAE32
أحمد عمر

كائن يظنُّ أن أصله طير، من برج الميزان حسب التقديرات وطلاسم الكفّ ووحل الفنجان.. في بكرة الصبا أوعشية الشباب، انتبه إلى أنّ كفة الميزان مثقوبة، وأنّ فريق شطرنج الحكومة "أصحاب فيل"، وأنّ فريق الشعب أعزل، ولم يكن لديه سوى القلم الذي به أقسم" فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا..."