برمنجانات الإخوان

برمنجانات الإخوان

07 مايو 2019

مما رفعه مناهضو مرسي في ميدان التحرير بالفاهرة (29/6/2013/Getty)

+ الخط -
ما زلت أذكر تجربة تحضير الأكسجين في المعمل، في الصف الأول الإعدادي. قليلة هي التجارب التي شاهدناها رأي العين في المعمل، في مدارس الحكومة المصرية. الحقيقة أيضا أنه لم يكن ثمة معمل، في مدرسة الترعة الإعدادية، هكذا اسمها، الترعة، نسبة إلى شارع الترعة البولاقية في شبرا مصر. وعلى الرغم من أن الترعة ردمت وشبعت ردماً، ورصفوا فوقها وسفلتوا، إلا أنه لا علاقة لدينا بين حركة الواقع وحركة الوعي، ظل الشارع باسم الترعة والمدرسة باسمه إلى يومنا هذا.
جاء أستاذ العلوم بأدواته المعملية إلى الفصل، وعلى مائدة صغيرة رأينا السحر، تحضير غاز الحياة، فوق أكسيد الهيدروجين، بالإضافة إلى برمنجانات البوتاسيوم. أخبرنا المعلم أن الأخيرة لا علاقة لها بالحصول على الأكسجين، لكنها عامل مساعد نكتبه في الامتحان فوق السهم المؤدي إلى الأكسجين. سألته عن الذي يضمن لنا أن الأكسجين الآن في الدورق، فأجاب بأن غاز الحياة يُستدل عليه بالنار، فلو أدخلنا شظية بسيطة، ليست متوهجة، إلى الدورق الآن لاشتعل، فعلها أمامنا بحذر شديد، ورأينا النار غير المتقدة وهي تلسع آذاننا بصوتها. انبهرنا بالتجربة، على حداثة سننا، وضعف إمكاناتنا وهواننا على وزارة التعليم. سألته: وماذا لو لم نستخدم العامل المساعد؟ قال: سنحصل أيضا على الأكسجين، بالعامل المساعد أو بدونه، ثمّة نتيجة، إلا أننا حصلنا عليها الآن في دقائق، من دون العامل المساعد سيستغرق الأمر ساعات..
واجه حسني مبارك، في العام 2005، ضغوطاً من الإدارة الأميركية، برئاسة جورج بوش الابن، لإجراء انتخابات برلمانية من دون تزوير. فعلها في مرحلتين من ثلاث، فاز الإخوان المسلمون بـ88 مقعداً، أغلق مبارك المرحلة الثالثة، بعد أن حصل على الضوء الأخضر، الديمقراطية جاءت بالإسلاميين، فأغلق الباب. يستخدم "الإخوان" تلك الواقعة للتدليل على عداء الأميركان لهم. هذا موضع خلاف، ولن ينتهي النقاش بشأنه في القريب، إلا أن المؤكد أن ثمة تخوفا، في ذلك الوقت، من وجود الإسلاميين، وهو ما استخدمه مبارك ببراعةٍ للتخلص من الضغوط الأميركية، وإقفال بوابة الانتخابات النزيهة بالضبة والمفتاح. السؤال: ماذا لو لم يكن "الإخوان المسلمون" في المعادلة، هل كان مبارك ونظامه سيعدمون الوسيلة لإغلاق هذا الباب؟ قد نختلف في الإجابة، لكن المؤكد أن المعادلة لم تكن لتسير بهذه السرعة، لولا وجود "الإخوان" على السهم.
يمكنك أن تسحب الأمر نفسه على ثورة يناير وما جرى. ربما نختلف في تقييمنا الانقلاب: هل هو قدر سياسي، لم يكن من سبيل لتفاديه، مهما كانت شخصية الرئيس، محمد مرسي، أو غيره، أم أن أداء "الإخوان" هو ما دفع إليه، ولو كان محمد البرادعي هو من يحكم أو حمدين صباحي لاختلف الأمر؟ مهما اختلفنا في تقييم التجربة المريرة، لن نختلف بشأن حقيقة أن "الإخوان المسلمين" وحدهم ساهموا في تسريع هذه المعادلة وتسهيلها، وجعلها في المتناول، وبأقل خسائر، لمن فعلها..
لم أنس اسم برمنجانات البوتاسيوم على صعوبته. هذه المادة التي لا حساب لها في سطر المعادلة، ولا حضور لها في ناتجها النهائي، إلا أن وجودها يساعد على تسهيل المهمة وتسريعها. قد يكون "الإخوان" ليسوا السبب الرئيس والوحيد في الانقلاب على "25 يناير" وفشل التجربة. قد ينسحب الأمر نفسه على دور "الإخوان" وفروعهم الأيديولوجية في سورية واليمن، وما يتوقع أن يحدث في السودان أيضاً. بكل أسف، قد نختلف في حجم مسؤولية الإسلاميين في إفشال ثورات الربيع العربي، وتجسير الطريق أمام الأنظمة القديمة، أو ما هو أسوأ، إلا أن وجودهم، بكل ما يحملونه من قيم منافية للحداثة ومضادّة في جذورها الأيديولوجية للثورات، هو ما ساهم في تحويل "الإخوان" إلى العامل المساعد الذي يمنح الأنظمة العربية غاز الحياة، بعد أن أوشكت على الاختناق، وهو ما يساهم الآن، أيضا، في تسهيل المهمة على إدارة دونالد ترامب في تصنيف جماعة الإخوان المسلمين إرهابية، أو على الأقل، في اللعب بهذه الورقة، والبركة في القيادات التاريخية.
3FE3B96A-2A94-45F9-B896-FDC0381B3B7F
3FE3B96A-2A94-45F9-B896-FDC0381B3B7F
محمد طلبة رضوان
محمد طلبة رضوان