يا محمود الشريف.. رمضان جانا

يا محمود الشريف.. رمضان جانا

05 مايو 2019
+ الخط -
حينما يخطر ببالك أن تكتب أو تتحدث عن عيد الأم، مثلاً، سرعان ما تستحضر أغنية "ست الحبايب" التي كتب كلماتها حسين السيد، وأبدع ألحانَها محمد عبد الوهاب، وغنتها المطربةُ ذات الصوت العذب، فايزة أحمد، في 1958. وإذا تأملتَ في أغنية "رمضان جانا" التي كتب كلماتها حسين طنطاوي، وغنّاها محمد عبد المطلب، ستلاحظ أمراً غريباً؛ هو أن معظم الإذاعات والمحطات التلفزيونية العربية تذيع هذه الأغنية العذبة في مطلع شهر رمضان من كل سنة، كما لو أنها إعلانٌ رسمي عن حلول هذا الشهر الذي يوليه المسلمون اهتماماً خاصاً.. ولعله من الطريف القولُ إن مؤلف مسرحية "العيال كبرت" قد تعمد تسمية البطل الرئيسي رمضان السُكَّري، ليؤسس للمشهد الجميل الذي يردد فيه (العيال): رمضان جانا، وفرحنا بُه، بعد غيابُه، وبقى لُه زمانْ، غنوا وقولوا، شهر بطولو، أهلاً رمضانْ.
نستأنس، نحن السوريين، بالأغاني المصرية بشكل عام، فقد تربّينا عليها منذ قديم الزمن. أما أغنية "رمضان جانا" فلها عندنا مكانة خاصة، لعدة أسباب، أهمها مناسبتُها، شهر رمضان الذي يحتفل به الملايين، بمعنى أن المسلمين يرحّبون بأي أغنية تغني لرمضان؛ فكيف إذا كانت تمتلك كل أسباب النجاح؟ والسبب الثاني أن مغنيها هو المطرب الكبير محمد عبد المطلب (أبو النور) الذي استقطب بصوته الجهوري القوي كبار الملحنين، أمثال رياض السنباطي، ومحمد عبد الوهاب، ومحمد الموجي، وبليغ حمدي، وكمال الطويل، ومحمد فوزي.. حتى إن عبد المطلب قال مخاطباً الموسيقار منير مراد: إيه يا منير؟ إنته مش عايز تخش التاريخ؟ اللي عبد المطلب ما يغنيلوش ما يخشش التاريخ يا منير!
أما ملحن الأغنية محمود الشريف (1912- 1990) فبإمكاننا أن نُحَدِّثَ عنه ولا حَرَج، فهو الرجل الذي أرسلته الأقدار للعيش في عصر النهضة الموسيقية العربية الكبرى، معاصراً أكابرَه، كالشيخ زكريا أحمد، ومحمد القصبجي، ورياض السنباطي، ومحمد عبد الوهاب، والأصغر منهم سناً أمثال بليغ حمدي وكمال الطويل ومحمد الموجي. وكان الشريف عبقرياً إلى درجة أنه لم يقع في مطب التقليد، ونجا، كذلك، من التشابه مع أية عبقرية موسيقية حوله، وكان الرائد والمؤسس لفن الأغنية السينمائية. ولا أظن أن في تاريخ السينما أحلى وأظرف وأفكه من أغنية عزيز عثمان "بَطَّلُوا دَه واسمعوا دَهْ" التي يهجو فيها نجيب الريحاني في فيلم لعبة الست، في 1946.
ولعل أطرف الأخبار في سيرة محمود الشريف أنه تزوج أم كلثوم، واكتسب، إثر ذلك، لقب زوج الست، وأم كلثوم صرّحت، مرة، إن محمود الشريف هو الوحيد من الوسط الفني الذي وافقت على الاقتران به، على الرغم من كثرة المعجبين بها، وأبرزهم القصبجي.
أتوقف هنا عند فكرةٍ قد تبدو غريبة بعض الشيء، تتعلق بالأغاني التي يحبها معظم الناس، من مختلف الأذواق، وبين حين وآخر، يردّدون كلماتها مع أنفسهم، وهم لا يعرفون مَنْ هو ملحنها، فلو باشروا البحث عن اسم ملحنها، فسوف يكتشفون أنها إما من ألحان فيلمون وهبي، أو محمود الشريف. ولهؤلاء الناس أقول إن قائمة الأغاني المستريحة في ذاكرتهم، ولا يعرفون أنها من ألحانه طويلة جداً، ومنها "مين فكّرك" لسعاد محمد، "على شط بحر الهوى" و"عيني بترفّ" لكارم محمود، "حبيبي هو الآمر الناهي" لصالح عبد الحي، "اسأل عليَّ" لليلى مراد، "ودّع هواك" و"ما بيسألش علي أبداً" لمحمد عبد المطلب، و"حبينا بعضنا" لشادية، و"على قد الشوق" و"يا سيدي أمرك" لعبد الحليم حافظ.. ومن أروع أناشيد محمود الشريف "الله أكبر فوق كيد المعتدي" الذي كان مرشحاً ليكون نشيداً وطنياً، لولا أنهم اختاروا "والله زمان يا سلاحي"، وكان لأم كلثوم دور في هذا الاختيار.
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...