كَذَبت الوعود فصَدَقت الثورة

كَذَبت الوعود فصَدَقت الثورة

05 مايو 2019
+ الخط -
لعل من أبرز ما حرّك المياه في السودان تحت عرش الرئيس المخلوع، عمر البشير، هو سوء التدبير والتخطيط والتعنت السياسي وسياسة رجل الحزب الواحد. فعلى مدار ثلاثة عقود، لم يستطع حزب المؤتمر الوطني إيجاد خليفة للبشير رغماً عن ملاحقته من محكمة الجنايات الدولية، واتهامه بجرائم حرب وإبادة جماعية في إقليم دارفور غرب السودان، إذ ظل رجال الإنقاذ يتعاقبون على المناصب في تغييرات صورية، ولكن بقيت الوجوه نفسها تدور في فلك واحد.
كان حزب المؤتمر الوطني يزعم أنه ذو أغلبيةٍ ساحقة وقاعدة شبابية عريضة كمؤسسة تضم كل أطياف الشعب السوداني، لكن الواقع كان يكذّب ذلك مع الهوة الواسعة بين الشباب والشيب الذي شاخت بهم كراسي القيادة.
كان الشعب السوداني يعول على حكومة الإنقاذ الوطني، عندما رأى شعارات براقة رفعها النظام السابق مذ بزوغ فجره. ولعل أبرز هذه الشعارات، تحكيم الشريعة الإسلامية وبناء دولة السودان العظمى والمشروع الحضاري والنهضة الزراعية التي ستعيد السودان سلة غذاء العالم... أكسب ذلك كله النظام بعض التعاطف الشعبي بالصبر على الضنك ومشقة الحياة وتجاوز العقبات وصولاً إلى الاستقرار والنهضة المنشودة. وما زالت الوعود الكاذبة تستبين يوما بعد آخر ليجد الشعب أنه قد سُرق وبيعت ثرواته ومكتسباته واستحوذ عليها رجال الحزب، وهم يدَّعون الفقر والفاقة، واستشرى سرطان الفساد ليضرب كافة هياكل الدولة وأصبح حديث القاصي والداني، مقابل ارتفاع كلفة المعيشة، إذ فقد الشعب الأمل في الإصلاح والخروج من الأفق المسدود. لكن للصبر حدودا، وإن طال السُّبات، فما كان أمام الشعب من خيار إلا أن يثور ويقُول كفى ظلماً وتخبطاً ووعوداً.
كان عمر البشير ورجاله على ثقة بأنهم باقون، فأجهزة الدولة تحت قبضتهم وآلة القمع في يدهم وسياط التعذيب تنكِّل بمن خالفهم، وكانت أسوأ الفروض أن تدافع عنهم "كتائب ظل" أعدوها لمثل هذه الاحتمالات، فليس هناك ما يؤرقهم، لكنهم لم يعوا الدرس كسابقيهم، فهذه الجيوش الهادرة لم يجدها صدام حسين في العراق حين احتاجها، ولا حسني مبارك في مصر، ولا علي عبد الله صالح في اليمن، وسرعان ما انفضّت من حولهم وتركتهم يواجهون مصيرهم المحتوم مكشوفي الظهور، بلا نصير ولا ظهير.
سعى البشير وحزبه إلى توطيد حكمهما، والعمل على إبقاء مقاليد الأمور في قبضتهما، بالتغول على شرايين الاقتصاد وسياسة "التمكين" التي أبقت على من ناصرهم، وأبعدت من خالفهم، ما أضعف أداء الخدمة المدنية، فساءت الإدارة، وعمّ الفساد. وترهلت أجهزة الدولة، حتى صارت مقعدة تعاني قسوة النهوض ومشقته.
يرى مراقبون أنّ البشير كان درعاً وغطاءً يتستر به من حوله عن فسادهم المالي، ويريدونه أن يبقى في دفة القيادة إلى آخر رمق ليتسنى لهم الاكتناز والهيمنة، لكن قطعت رياح التغيير أمانيهم، فدكّت عرشهم الذي سبحوا بحمده ردحاً من الزمن ودانوا له بالولاء والطاعة، فما استبانوا النصح إلا ضحى الغد، فهل تكون في قصتهم عبرة لأولي الألباب؟
6397A895-D6E7-4F34-AF1B-0ED59CC60F53
6397A895-D6E7-4F34-AF1B-0ED59CC60F53
مصعب محجوب الماجدي (السودان)
مصعب محجوب الماجدي (السودان)