تماثل النخبة الأردنية وامتثالها

تماثل النخبة الأردنية وامتثالها

31 مايو 2019
+ الخط -
دفع ليل رمضان الطويل، وتناثر المناسبات الرمضانية، إلى فتح شهية المسؤولين السياسيين الأردنيين إلى إطلاق تصريحات ومواقف تساهم في النقاش العام الذي يدور على صفيح ساخن في العاصمة عمّان التي تترقب الإعلان عن "صفقة القرن"، والتي ستكون أولى خطواتها في المنامة، بمؤتمر اقتصادي في الشهر المقبل، لمناقشة واقع التنمية والاستثمار في الضفة الغربية وقطاع غزة، فيما أعلنت السلطة الفلسطينية عدم مشاركتها به، بينما لم تعلن عمّان عن مشاركتها أو عدمها، وإن نُقل عن الملك عبد الله الثاني عدم التزامه بالحضور، فيما تفيد تقارير بأن الأردن سيكون حاضرا هناك.
هذه التطورات المتلاحقة، إضافة إلى الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد، والتي حذّر رئيس مجلس الأعيان، فيصل الفايز، من تداعياتها، مشيرا إلى أنه، في حال بلوغ الأزمة حدود عدم قدرة الاحتمال، فإن جوار الأردن هو الذي سيدفع الثمن.
تحذيرات الفايز تلك، والتي أعلنها في مواجهةٍ سياسيةٍ، حجب المساعدات الخارجية عن البلاد، وسعيا إلى التحذير من الاستمرار في هذا المسار، تتناقض مع دعواتٍ عديدة أطلقها الملك عبد الله الثاني، في السنوات القليلة الماضية، إلى ضرورة الاعتماد على الذات، وأيضا مع روح الرؤية الحكومية التي عبّر عنها رئيس الوزراء، عمر الرزاز، بضرورة الانتقال من الريع إلى الإنتاج.
تزامنا مع تلك التصريحات، أعلن رئيسا الوزراء الأسبقين، أحمد عبيدات وطاهر المصري، عن تشكيل تيار سياسي، قالا إنه يطرح مشروعا للتغيير، بعد أن كان عبيدات، في ربيع 2011، من أبرز المنادين بالإصلاح، حيث كان عبيدات على رأس تيار الجبهة الوطنية للإصلاح، وهو ما يعكس التحولات العميقة التي تعصف بهذا التيار الذي أعاد تموضعه بالأسماء نفسها، ولكن بمضمون مختلف. وسرعان ما تفكّك التحالف بين الرجلين، بإعلان المصري، لاحقا، انسحابه من هذا الكيان، بدعوى أن الظروف الوطنية والخارجية تحتم وحدة الصف الوطني، على الرغم من أن المصري كان في تصريحاتٍ عديدة أطلقها سابقا يحذّر من أن الأزمة الداخلية تعيق قدرة الأردن على مواجهة التحديات الخارجية.
ومن شرفةٍ أخرى، أطل رئيس الوزراء الأسبق، عبد الرؤوف الروابدة، بتصريحات تحدّد 
الأطر العامة للأزمة الأردنية، واضعا رؤيته الإصلاحية التي تسعى إلى وضع خريطة طريق تؤدي إلى تشكيل حكومات سياسية كفوءة، تمارس ولايتها وفق أحكام الدستور.
يمثل رؤساء الوزراء السابقون نخبة البيروقراطية الأردنية التي حكمت البلاد طوال العقود الماضية، وهيمنت على صناعة القرار الرسمي، حيث شكلت الرافعة الرسمية أهم عوامل صعودهم إلى مراكز صناعة القرار، وهم اليوم يمارسون عملية نقدٍ جذريةٍ للصيغة القائمة، مطلقين تحذيراتهم من تداعيات الواقع السياسي، والذي يواجه استعصاء تاريخيا.
في مقابل أزمة النخبة المهيمنة تلك، يواجه الحراك الشعبي أيضا أزمة تاريخية عميقة، إلا أن تلك الأزمة تختبئ خلف فكرة أن القمع وتكميم الأفواه والقبضة الأمنية أحد أهم عوامل ضعف الحركة الشعبية تلك. ولعل هذه الأزمة تكشف تماثل النخبة الأردنية وامتثالها، وعجزها على المستوى الرسمي، على مستوى الموالاة والمعارضة، عن تقديم مشروع حقيقي قادر على تجاوز حالة الارتهان والقلق العام، حيث تعجز النخب التي تتربع على رأس السلطة عن تقديم خطاب ورؤية قادرتين على انتشال البلاد من أزمتها، بل تسعى إلى استعادة الأدوات القديمة من أجل منع انهيار البلاد، بينما تسعى النخب التي تقف اليوم خارج السلطة إلى ممارسة شكل فلكلوري من المعارضة، يتوهم أن في وسعه، عبر إطلاق البيانات والتجمعات السياسية الشكلية، إحداث اختراقٍ على المستوى الوطني في الملفات الكبرى التي تمس حياة الناس على المستويات المعيشية والاقتصادية والخدمية، والتي صارت تعاني من تردٍّ واضح ومستمر.
ولعل فكرة أن الخطاب السائد هو خطاب النخبة السائدة يمثل حجر الزاوية في فهم عجز الحراك الشعبي الذي استمر عقدا عن إنجاز حالة شعبية موحدة تمتلك خطابا ورؤية، في انسجام مع تردّي خطاب النخبة وانعزاله. وعليه، يقع السواد الأعظم من الأردنيين اليوم تحت ضغط الارتباك والحيرة والانزياح التدريجي عن البنية القائمة، في انتظار تبلور خيارات وطنية جامعة، قادرة على تقديم رؤية وطنية شاملة في مقبل الأيام.
78D57413-9DA6-427B-B957-612337B4E39B
78D57413-9DA6-427B-B957-612337B4E39B
منصور المعلا

كاتب ومحلل سياسي اردني، بكالوريوس في العلوم السياسية

منصور المعلا