تنامي الإنفاق العسكري العالمي

تنامي الإنفاق العسكري العالمي

04 مايو 2019
+ الخط -
يشير التقرير السنوي الجديد لمعهد إستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (سيبري) إلى تنامي الإنفاق العسكري العالمي بنسبة 2،6% في العام 2018 مقارنة بعام 2017، ليبلغ 1822 مليار دولار! وبهذا تكون النفقات العسكرية العالمية زادت بنسبة 76% مقارنة بعام 1998 الذي سجل أدنى مستوى لها منذ نهاية الحرب الباردة. وتمثل النفقات العسكرية العالمية في 2018 نسبة 2،1% من إجمالي الناتج المحلي العالمي، أي ما يعادل 239 دولاراً للشخص. إنها مفارقة كبيرة بالنسبة لعالم يعيش فيه حوالي 736 مليون شخص في الفقر المدقع (العيش بأقل من 1،90 دولار يومياً حسب أرقام البنك لعام 2015)، حسب تقرير للبنك العالمي، ويموت فيه كثيرون من سوء التغذية والمجاعة.
تعد الولايات المتحدة والصين والسعودية والهند وفرنسا، على التوالي، الدول الأكثر إنفاقاً في 2018، إذ تستحوذ على 60% من إجمالي الإنفاق العسكري العالمي، فيما تستحوذ الولايات المتحدة والصين على نصف النفقات العسكرية العالمية. ويعود ارتفاع الإنفاق العالمي في 2018 إلى زيادة الانفاق العسكري، الأميركي والصيني، فالنفقات الأميركية ارتفعت أول مرة منذ 2010، بنسبة 4،6% لتصل إلى 649 مليار دولار في 2018. وبذلك تبقى أميركا الأكثر إنفاقاً في المجال العسكري، فهي استثمرت، العام الماضي، ما يعادل تقريباً استثمارات الدول الثماني الأكثر إنفاقاً، والتي تتجاوزها أميركا بشكل منقطع النظير. ويرجع ارتفاع النفقات العسكرية الأميركية إلى العمل، بداية من 2017، ببرامج تسلح جديدة قرّرها الرئيس دونالد ترامب.
أما الصين، ثاني الدول الأكثر إنفاقاً عسكرياً، فزادت نفقاتها 5% في 2018، لتبلغ 250 مليار دولار. ويعرف الإنفاق العسكري الصيني نمواً سنوياً متواصلاً منذ 24 سنة. وتعادل نفقات الصين التي تخصص 1،9% من إجمالي الناتج المحلي للإنفاق العسكري في 2018 تقريباً ضعف نفقاتها في 1994، كما تمثل 14% من إجمالي الإنفاق العسكري العالمي. أما روسيا فانخفضت نفقاتها بنسبة 3،5% مقارنة بعام 2017 لتبلغ 61،4% مليار دولار في 2018، محتلة بذلك المرتبة السادسة عالمياً. وبلغت النفقات العسكرية الهندية 66،5 مليار دولار، بزيادة قدرها 3،1% مقارنة بعام 2017. وبلغت نفقات باكستان 11،4 مليارا، بنمو قدره 11% مقارنة بعام 2017.
وبينما تواصل الارتفاع في مناطق كثيرة، تعرف النفقات العسكرية تراجعاً في أفريقيا بنسبة 
8،4% في 2018، وهو الانخفاض الرابع على التوالي منذ بلوغها أوجها في 2014. وعرفت نفقات الجزائر (الأكثر إنفاقاً في القارة) وأنغولا والسودان انخفاضاً بنسب 6،1% و18% و49% على التوالي. ويلاحظ الاتجاه نفسه في الشرق الأوسط حيث انخفض الإنفاق العسكري بنسبة 1،9% عام 2018، بعد أن بلغ مستويات كبيرة جداً في السنوات الأخيرة. وطبعاً يخفي هذا الرقم فروقا ضخمة بين دول المنطقة، فنفقات تركيا ارتفعت 24% في 2018 لتبلغ 19مليار دولار، وبالتالي هي أكبر زيادة من حيث النسبة المئوية ضمن الدول الـ15 الأكثر إنفاقاً. كما تراجع الإنفاق العسكري السعودي بـ 4،6 مليارات دولار، ليبلغ 67،6 مليار دولار في 2018، وهو أكبر انخفاض عالمي من حيث القيمة. وعلى الرغم من هذا الانخفاض، تسجل السعودية أكبر نسبة في الشرق الأوسط، لجهة تخصيص الموارد للإنفاق العسكري، إذ كرست له 8،8% من إجمالي ناتجها المحلي في 2018، متبوعة بعُمان (8،2%) والكويت (5،1%) ولبنان (5%) والأردن (4،7%) وإسرائيل (4،3%). وبذلك تبقى بلدان الشرق الأوسط الأكثر إنفاقاً من حيث نسبة إجمالي الناتج المحلي المخصصة للنفقات العسكرية.
ماذا يمكن استخلاصه من هذه الأرقام؟ أولاً، على الرغم من أن الحروب الكبرى، أي التي قد تقع بين قوى كبرى، تبقى مستبعدة للغاية، نظراً لترسانتها التقليدية والنووية، فإن الإنفاق العسكري لهذه القوى يحافظ على مستويات مرتفعة جداً، ما يدل على تنافس حاد. ثانياً، ارتفاع نفقات القوى الكبرى، مثل أميركا والصين وروسيا، يعود إلى استثمارات ضخمة في أنظمة
 أسلحة جديدة عالية التكنولوجيا، وبالتالي مكلفة جداً، ومن ثم فزيادة النفقات دلالة على النوع أكثر مما هي دلالة على الكم. ثالثاً، يعود إنفاق الدول الأخرى، وتحديدا القوى الإقليمية، كل في منطقته (الهند، باكستان، السعودية، تركيا، كوريا الجنوبية، الجزائر..) إلى اضطرابات في جوارها، هي غير منخرطة فيها (مثال الجزائر في المنطقة المغاربية - الساحلية)، أو إلى تنافس بنيوي وتوتر حدودي (الهند - باكستان، كوريا الجنوبية في علاقتها مع جارتها الشمالية)، أو لتورّطها في حروبٍ بشكل مباشر فضلاً عن التنافس الإقليمي (السعودية في الشرق الأوسط: تدخلها في اليمن وتنافسها مع إيران). رابعاً، الدول الأكثر إنفاقاً في العالم التي تراجعت نفقاتها العسكرية في 2018، ريعية تماماً (السعودية والجزائر) أو ريعية جزئياً (روسيا)، أي أن انخفاض نفقاتها يعود إلى تراجع عائداتها النفطية، بسبب تقلبات الأسعار في السوق الدولية منذ حوالي خمس سنوات.