الطبّالون وأنواعهم

الطبّالون وأنواعهم

30 مايو 2019
+ الخط -
الطبّال العادي أمره غير محيّر، معروف دائما. غالبا يكون هذا الطبّال صاحب عقلية شعبوية، وضحل المعرفة والفهم، وغالبا تحرّكه الأجهزة الأمنية، ودائما تراه مشغولا بالأوراق المرسلة إليه، ويده دائما على أذنه، لتلقّي الأوامر، وعيونه أحيانا زائغة، وله مفرداتٌ شبه محفوظة، مثل: "إحنا مع بلدنا" و"الأمن الوطني خط أحمر" و"جماعة الإخوان الشياطين" و"اضرب واحنا وراك" و"اللي مش عاجبه البلد دي يشرب من البحر". وأحيانا، يضحك ضحكا هستيريا، ثم يعود إلى جمل توعداته المكتوبة أو المحفوظة، ثم يعود إلى تكشيراته، ملقيا على الأعداء سيل التهم مثل: "القتلة" و"بتوع التمويل والدولارات والغرب"، ويكون هو نفسه من يومين في أميركا لطلب منحة، أو دعاية للرئيس، وقد عاد "بكفٍّ موجع".
هؤلاء يقدّمون "نمرة متفقا عليها في مسارح روض الفرج، وليس بعيدا أن يستعين بهم مسرح القطاع الخاص، أو حتى السينما في سنوات كسادها وخيبتها. هؤلاء بالطبع تراهم في الصفوف الأولى، سواء في الأوبرا أو شرم الشيخ أو فوق فرقاطة في أثناء افتتاح المشاريع الكبرى، وغالبا يدخلون قضايا السب والقذف في كل المحاكم، بأنواعها ودرجاتها، ويخرجون منها في حراسة الأمن سالمين من أي سوء.
وإن حرمتهم السلطة بعض الوقت من الكتابة في صحيفةٍ تفتح لهم قناة، وإن سرّحتهم من "قناة" تشتري منهم فيلما أو مسلسلا، وإن أخذت منهم حمارا في كمين "كفر غطاطي" تعطيهم بغلة في كمين "أبو النمرس"، وإن أخذت منهم البغلة في كمين "ترسة" تسلمهم حصانا في "تجديد القلعة". وبعضهم يأتيه الأمر أن يبكي جفاف بحر الرزق علنا، كي يعرف الناس أن النظام قوي الشكيمة، ولا يقف في وجهه أي كائن. ولولا الملامة وانكشاف الملعوب، لاشترى فرن بطاطا، ووقف به بجوار سبعي قصر النيل يضاحك الناس، وكلما زاد ضحك المشاهدين على المشهد، زادت بالفعل شعبيّة الطبّال، وزاد سعره بالطبع، وكثُر سفره، حتى وإن عمل طباخا في أميركا أو دبي أو أبو ظبي، أو البحرين بالطبع، والرياض في الأيام المقبلة.
هذا عن الطبّال العادي، أما الطبّال الواطي، الذي غالبا يسرق من "النقطة"، فيراعي أن يكون عمله محدودا، شهرا أو شهرين في السنة. وحينما يتم الحكم عليه في أي قضية، يهرب إلى دبي أو تايلاند، وغالبا يعود ويصمت سنة أو سنتين، ثم يخلق له أي مشروع جديد، كمنتج منفذ أو مراقب فني لسهرات التلفزيون، هذا إن كان قد أدّى الخدمة العسكرية. أما إذا كان هاربا منها، فغالبا يظل في أميركا متابعا للشأن العام، أو يتزوج من مذيعة، لهم، تحت التدريب والمراقبة، وهذا غايتهم. أما إذا كان محاميا دوليا، فيرفع من هناك قضايا دولية ضد جماعة الإخوان المسلمين في الغرب، أو يرفع قضايا دولية على قناة الجزيرة. المهم أن يعمل بأكله وأجرة الفندق وتذاكر الطيران التي تكلف الدولة الشيء الفلاني.
أما النوع الثالث، وهو الأخطر، هو الطبّال الأُسطى، وهو بالطبع الأكثر حصافةً ومعرفةً ودربةً وحوطا وخفّة ونعومة. وللأمانة وستر الله، هم قلة، وهذا من حظ شعوبنا. وعلى الرغم من ندرته الشديدة، إلا أنه موجود، ويستعين بهم الإعلام في الملمّات، وإن لم يذكروا ذلك. صحافيون كبار، أو أساتذة علوم سياسية، أو وزراء سابقون، أو حتى رؤساء وزراء، أو دبلوماسيون قدامى، أو كتّاب سيناريو كبار، ضالعون في تزوير الفواتير في الفنادق السبع نجوم، أو أبناء رؤساء أو زوجاتهم، أو ممثلات كن جميلات، وصِرن من القواعد والعجائز أحيانا، ويعشن أيامهن ما بين فنادق المدينة المنورة، في كل العُمرات والحج، وشرم الشيخ. وهذا بالطبع يكلف الدولة والقنوات ميزانيات ضخمة، وخصوصا في أمور النقل والحراسة والتعب الكبير لطواقم الإعداد، لأن معظمهم أو معظمهن كبار وكبيرات في السن والمكانة أيضا، ولكل أسطى مكانة، وطبلة من حرير، ومقام، والفرقة كلها لطيفة، والعبارات مهذّبة، وجو الإستديو يناسب السهرة، وكل الأدوية المستوردة موجودة في الحقيبة، والمذيع في غاية اللطف والأدب والشياكة، ويكاد أن يبوس القدم، لولا الملامة.